تقرير استقصائي صحفي: النفوذ الصيني الخفي في القرن الإفريقي – الصومال نموذجاً
القرن الإفريقي: عقدة استراتيجية في قلب الصراع العالمي
يمثّل القرن الإفريقي نقطة التقاء حيوية بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، مما يجعله مسرحاً لمطامع القوى الكبرى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وتبرز الصين خلال السنوات الأخيرة كأبرز قوة صاعدة تسعى لترسيخ وجودها في هذه المنطقة، خاصة في الصومال التي تمتاز بأطول ساحل في القارة الأفريقية وثروات طبيعية هائلة وغير مستغلة.
وعلى الرغم من حرص بكين على تقديم نفسها كشريك تنموي “مُحسن النية”، تتكشف تدريجياً نوايا خفية ومشاريع مشبوهة تنفذها تحت غطاء المساعدات الإنسانية والبنية التحتية.
-
مساعدات “الغطاء”: الهيمنة في ثوب الإنسانية
خلال العقد الأخير، نفّذت الصين مشاريع عديدة داخل الصومال، شملت إنشاء موانئ وطرق ومستشفيات ومطارات، وبلغت قيمة المساعدات بحسب وكالة “شينخوا” الصينية ملايين الدولارات، تم توجيهها لتطوير البنية التحتية.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل هذه المشاريع نابعة من دافع إنساني وتنموي، أم أنها تخفي وراءها أجندات اقتصادية وعسكرية؟
تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية عام 2024 أشار إلى أن الصين تستخدم اقتصادها كوسيلة للسيطرة على الحكومات الضعيفة، موضحة: “غالباً ما تستغل بكين هشاشة هذه الدول لفرض شروط تخدم مصالحها الخاصة”.
-
الموانئ الصومالية: قلاع عسكرية مقنّعة
تتزايد الأدلة على استخدام الصين لمشاريع البنية التحتية كستار لأهداف عسكرية خفية. أبرز مثال على ذلك هو موانئ “هوبيو” و”بربرة”، والتي تشير التقارير إلى تواجد منشآت عسكرية واستخباراتية قيد الإنشاء ضمنها.
صحيفة Foreign Policy الأميركية نشرت في يناير 2025 تقريراً ذكرت فيه: “القاعدة الصينية في جيبوتي كانت تجربة ناجحة، وها هي بكين تستعد لتكرارها في مواقع استراتيجية أخرى، أبرزها الصومال”.
-
من الفشل في أوروبا وآسيا إلى الانقضاض على إفريقيا
خلال السنوات الأخيرة، فشلت الصين في الحفاظ على مشروع “الحزام والطريق” في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية مثل إيطاليا وماليزيا والتشيك، بسبب ما وُصف بغياب الشفافية والديون الخانقة. وكالة “رويترز” نقلت عن تقارير تؤكد انسحاب عدة دول من هذا المشروع، مما أجبر الصين على تحويل أنظارها نحو القارة الإفريقية.
شبكة الجزيرة قالت في تقرير استقصائي إن الصين وجدت في إفريقيا “مصدراً اقتصادياً حراً لا يُسائلها أحد، على عكس ما يحدث في أوروبا وآسيا”.
-
لا فرص عمل حقيقية: الشركات الصينية تستفيد وحدها
ورغم النشاط الظاهري في البناء والتنمية، تشير تقارير متعددة إلى أن العقود تُمنح حصرياً لشركات صينية، دون مشاركة فعلية من الكوادر المحلية الصومالية.
تقرير بريطاني عام 2024 كشف أن غالبية المقاولات تُمنح بطريقة مباشرة لشركات صينية، في حين يتم تهميش رجال الأعمال والعمال المحليين، مما يثير الشكوك حول جدوى هذه المشاريع بالنسبة للمواطن العادي.
ويحذّر الخبراء من أن هذه المشاريع قد تغرق البلاد في ديون يصعب سدادها، مما يفتح الباب أمام بكين للمطالبة بمقابل من الثروات الطبيعية، كما حدث في دول إفريقية أخرى.
-
الصومال. حقل تجارب جديد للهيمنة العالمية
وجود الصين في القرن الإفريقي، لا سيما في الصومال، بدأ يأخذ منحى خطيراً. فبحسب مجلة The Economist، فإن دول شرق إفريقيا، ومنها الصومال، مهددة بالتحول إلى “مختبرات تجريبية” للقوى الكبرى لاختبار استراتيجيات السيطرة والنفوذ.
وبينما تتزيّا هذه القوى بعباءة الاستثمار والدعم، تزداد الشكوك حول نواياها الحقيقية، خاصة مع تواطؤ بعض الحكومات الضعيفة التي تفتقر للإرادة الشعبية والرقابة الوطنية.
خاتمة: احتلال بأدوات ناعمة ووجوه متعددة
تتبدل وجوه المحتلين وتتنوع وسائلهم، لكن الهدف يبقى واحداً: نهب خيرات الشعوب واستعبادها. وفي الوقت الذي تتقاسم فيه القوى الكبرى الكعكة الصومالية، تبرز “حركة الشباب المجاهدين” كطرف يعلن جهاراً التصدي لما تسميه بـ”الاحتلال الصيني والردة الداخلية”، متوعدة بتحرير البلاد من كل أشكال التبعية بمساعدة الشعب الصومالي، وبتوفيق الله.