إريتريا في قلب العاصفة: هل تُشعل أسمرة نيران حرب جديدة في إقليم تيغراي الإثيوبي؟
تشهد منطقة القرن الأفريقي حالة من التوتر المتصاعد، وسط مخاوف متزايدة من عودة القتال مجددًا إلى إقليم تيغراي شمال إثيوبيا. هذا القلق ينبع من تطورات ميدانية وعسكرية متسارعة، وسط اتهامات متزايدة لإريتريا بلعب دور غامض في إذكاء النزاع وتغذية الانقسامات الداخلية في إثيوبيا، خاصة في ظل هشاشة اتفاق السلام الموقع في بريتوريا عام 2022. فهل أصبحت أسمرة المحرك الخفي لحرب جديدة في تيغراي؟ وهل تستفيد من ضعف الجبهة الداخلية الإثيوبية لإعادة فرض نفوذها في المنطقة؟
أولاً: مؤشرات عودة الحرب في تيغراي
بحسب تقرير أعدته إذاعة دويتشه فيله الألمانية، فإن الفترة الماضية شهدت تحركات عسكرية واشتباكات متفرقة في شمال إثيوبيا، ما يعزز القلق من انهيار الاستقرار الهش الذي أعقب اتفاق بريتوريا. التقرير أشار إلى أن إقليم تيغراي لم يتعافَ بعد من الحرب الطاحنة التي دامت عامين بين جبهة تحرير تيغراي (TPLF) والجيش الفيدرالي، والتي خلّفت قرابة 600,000 قتيل، وانتهت رسميًا باتفاق سلام في نوفمبر 2022.
في شهادة مباشرة من مدينة ميكيلي عاصمة الإقليم، قالت إحدى النساء لإذاعة DW: “لا يمكننا التخطيط لأي شيء الآن… الخوف يسيطر على الأجواء، ونتوقع عودة الحرب في أي لحظة”.
ثانيًا: دور إريتريا في الحرب الماضية وخارج اتفاق بريتوريا
خلال الحرب السابقة، شاركت قوات إريترية إلى جانب الجيش الإثيوبي في هجومه ضد جبهة تحرير تيغراي. غير أن إريتريا لم تكن طرفًا في مفاوضات السلام، وهو ما أثار شكوكًا حول إمكانية التزامها بأي مخرجات للاتفاق.
العديد من المراقبين حذروا منذ البداية من أن السلام سيكون هشًا ما دامت أسمرة خارج دائرة الضمانات الدولية، وهو ما تحقق لاحقًا مع ظهور مؤشرات على استعدادات عسكرية إريترية قرب الحدود مع تيغراي.
ثالثًا: تفكك داخلي في تيغراي… فرصة لأسمرة؟
إلى جانب التدخل الإريتري، تعاني جبهة تحرير تيغراي من انقسامات داخلية حادة بعد خسارتها الحرب. وقد أدى هذا التفكك إلى تعيين الجنرال تاديسي ووردي رئيسًا للإدارة المؤقتة في تيغراي، بعد إقصاء قادة من الجبهة أبرزهم دبريتسيون قبرمكئيل، الذي اتُهم جناحه بالتواطؤ مع إريتريا، وهي اتهامات نفاها بشدة.
رغم دعوة الجنرال ووردي إلى التهدئة، يبقى الانقسام الداخلي أحد أبرز العوامل التي قد تستغلها إريتريا لتعزيز نفوذها أو لتفجير الأوضاع مجددًا.
رابعًا: الأهداف الاستراتيجية لإريتريا من زعزعة استقرار إثيوبيا
يرى الباحث غيريت كورتز من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أن إريتريا تستفيد من إثيوبيا الضعيفة والمقسّمة داخليًا. فكلما تعمقت الانقسامات والصراعات في الداخل الإثيوبي، كلما تعززت فرص أسمرة في فرض نفوذها الإقليمي وتقويض أعدائها التاريخيين، وتحديدًا جبهة تحرير تيغراي.
وتشير شهادات ميدانية نقلتها DW إلى أن إريتريا درّبت ميليشيات مسلحة داخل إثيوبيا، من بينها ميليشيا “فانو” المعروفة في إقليم أمهرا، ما يعزز فرضية اعتمادها على وكلاء محليين لتأجيج الصراع مجددًا.
خامسًا: الجانب الاقتصادي… حرب ونهب منظم
بحسب تقرير صادر عن منظمة The Sentry الأمريكية، فقد مارست إريتريا نهبًا اقتصاديًا ممنهجًا في تيغراي خلال فترة الحرب، حيث تم تفكيك مصانع كاملة ونقل معداتها إلى داخل إريتريا.
كما أشار الباحث تشارلز كاتر إلى أن أسمرة استغلت الوضع لإدارة شبكات تهريب غير قانونية شملت الذهب والسمسم والتحف الثقافية، بل وحتى تهريب البشر. وتُستخدم عوائد هذه الأنشطة في تمويل عملياتها العسكرية داخل إثيوبيا.
سادسًا: تحركات عسكرية جديدة قرب الحدود
تُفيد تقارير استخباراتية من The Sentry بأن القوات الإريترية تقدمت لمسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي الإثيوبية، ما يعزز فرضية استعداد أسمرة لصدام جديد أو على الأقل لتأجيج الوضع في تيغراي.
ويحذر محللون من إمكانية استغلال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد للأزمة سياسيًا، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في 2026، إذ قد يلجأ لتوظيف الخطاب القومي أو إشعال جبهات داخلية لضمان السيطرة.
سابعًا: بُعد إقليمي… صراع على البحر وتوترات دبلوماسية
منذ العام 2023، كثف أبي أحمد دعواته للحصول على منفذ بحري خاص لإثيوبيا، وهو ما أثار توترات دبلوماسية إقليمية وقلقًا متزايدًا من صدام محتمل مع إريتريا، التي تعتبر أي تحركات تجاه البحر الأحمر تهديدًا مباشرًا.
وفي هذا السياق، تشير تقارير الجزيرة إلى أن الحكومة الإثيوبية تعاني من ارتباك استراتيجي في التعامل مع ملف تيغراي، وقد تسعى إلى إعادة إشعال الصراع لتصفية خصومها السياسيين في الجبهة.
نحو جولة جديدة من الحرب؟
في ضوء هذا المشهد المعقد، يتضح أن إريتريا ليست مجرد مراقب لما يحدث في إثيوبيا، بل لاعب فعّال يسعى لتحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية عبر زعزعة استقرار جاره الجنوبي. ومع ضعف الداخل الإثيوبي وتصدع الجبهة الداخلية في تيغراي، تصبح الأرض مهيأة لحرب جديدة قد تفوق سابقتها دمارًا.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح القوى الإقليمية والدولية في احتواء النار قبل أن تشتعل؟ أم أننا على أعتاب جولة دموية أخرى في صراع لم يشفَ من جراحه بعد؟