إلى أين تمضي التحركات الإثيوبية للسيطرة على ممر بحري من السواحل الصومالية؟ وما خلفيات زيارة عبد الرحمن عرو إلى أديس أبابا؟

تتصاعد في الآونة الأخيرة المؤشرات والدلائل على تسارع خطوات الحكومة الإثيوبية لتحقيق أطماعها القديمة المتجددة في السواحل الصومالية، حيث لم تخفِ أديس أبابا مساعيها نحو إيجاد منفذ بحري بأي وسيلة، ولو عبر اتفاقات مثيرة للجدل مع كيانات لا تملك أي شرعية دولية.

في مطلع عام 2024، وُقّع اتفاق وصِف بـ”غير الشرعي” بين رئيس ما يسمى إدارة “صوماليلاند” موسى بيحي عبدي ووزير إثيوبيا الأول آبي أحمد، يقضي بمنح أديس أبابا جزءاً من السواحل الصومالية مقابل اعتراف ضمني بـ”صوماليلاند” ككيان مستقل.

ولم تمر أشهر حتى تبع ذلك توقيع آخر بتاريخ 12 ديسمبر 2024 بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وآبي أحمد، يكرّس مضامين الاتفاق السابق من خلال مذكرة تفاهم ملتبسة، أثارت استياءً واسعاً داخل الأوساط الصومالية.

 

تغير في الموقف بعد الانتخابات في “صوماليلاند”

توقعت إثيوبيا مرحلة انتقال سياسي بعد انتخابات نهاية 2024 في إدارة “صوماليلاند”، وقد جاء فوز عبد الرحمن عرو، المعروف بعلاقاته السابقة مع المعارضة، بمثابة نافذة جديدة للحوار مع أديس أبابا. ورغم أن عرو وحزبه لم يتخذوا موقفاً واضحاً سابقاً من الاتفاق المثير للجدل، إلا أن مواقفه بعد تسلمه السلطة كشفت عن رغبة واضحة في إنعاش المذكرة التي وقعها سلفه موسى بيحي.

 

مؤخراً، أعلنت وسائل إعلام محلية مثل Horn Observer أن مصادر مطلعة من داخل “قصر الرئاسة” في “هرجيسا” أكدت أن زيارة عرو المرتقبة إلى أديس أبابا تهدف إلى مواصلة تنفيذ مذكرة التفاهم المثيرة للجدل، ضمن جهود مكثفة يقودها الرجل منذ توليه السلطة.

وخلال أقل من ثمانية أشهر على توليه الرئاسة، شهدت العلاقات بين “صوماليلاند” وإثيوبيا سلسلة من اللقاءات المتبادلة، بعضها جرى في هرجيسا، والآخر في أديس أبابا.

 

لقاءات دبلوماسية مغلقة وتحركات مشبوهة

زيارة وزير التجارة في “صوماليلاند” عبد الرحمن حسن نور إلى أديس أبابا قبل أسبوعين، كشفت عن وجود نقاشات “اقتصادية وسياحية” وفقاً للتصريحات الرسمية، رغم أن أبعاد الزيارة بدت أوسع من ذلك.

وفي لقاء آخر، استقبل عبد الرحمن عرو السفير الإثيوبي لدى هرجيسا، تاشومي شندي هاميتي، بحضور وزير خارجيته، لمناقشة تعزيز التعاون الثنائي وسهولة حركة المواطنين، فيما يُفهم أنه محاولة لإضفاء طابع مدني على تحركات ذات طابع سياسي وأمني.

المفارقة أن هذا اللقاء جاء مباشرة بعد زيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني إلى أديس أبابا، ولقائه مع آبي أحمد. وقد وصف الوزير الإسرائيلي إثيوبيا بأنها “شريك استراتيجي”، مؤكداً التزام بلاده بدعم “طموحات إثيوبيا البحرية”.

 

تحركات دبلوماسية موازية في جيبوتي

وفي موازاة ذلك، زار عرو جيبوتي مؤخراً، والتقى نائب السفير الإثيوبي هناك، كيبيدي أبرا، في لقاء ناقش قضايا الأمن البحري وخطوط الملاحة في البحر الأحمر. وقد كشف الدبلوماسي الإثيوبي أن بلاده تعمل على تعميق التعاون مع “صوماليلاند” في مجالي الأمن والتجارة.

اللافت أن جميع التصريحات الرسمية من الجانبين الإثيوبي و”صوماليلاند” تدور حول التعاون التجاري، إلا أن هذا الغطاء اللفظي لا يخفي الهدف الرئيسي، وهو تمكين إثيوبيا من منفذ بحري، وهو ما أكده السفير الأمريكي في أديس أبابا، إيرفين ماسينغا، عندما صرّح أن واشنطن تدعم “حق إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري” من خلال الوسائل التجارية والدبلوماسية.

 

تسليح بحري وإسناد روسي

وعلى الصعيد العسكري، اقتربت إثيوبيا من إنهاء بناء مقر جديد لقواتها البحرية، وهو مشروع تعتبره أديس أبابا “استراتيجياً” لحماية مصالحها المستقبلية في الممرات البحرية. كما أبرمت اتفاقاً مع روسيا لتدريب قواتها البحرية، وزار وفد عسكري إثيوبي موسكو في هذا السياق.

في تصريح حديث، عبّر آبي أحمد خلال مقابلة مع قناة حكومية عن “حسرته” لأن بلاده لا تطل على البحر، معتبراً أن ذلك يمثل “ظلماً تاريخياً”، بل ذهب أبعد من ذلك ليعرض خريطة مزورة تُظهر أن إثيوبيا كانت تملك منافذ في بربرة وزيلع – ادعاءات لا أساس لها تاريخياً.

 

التصعيد العسكري المحتمل

الخطير في الأمر أن رئيس أركان الجيش الإثيوبي، برهانو جولا، أعلن في جلسة برلمانية أن بلاده تعمل بلا هوادة من أجل نيل منفذ بحري، وأن الاستعدادات العسكرية قائمة، بما في ذلك إنشاء سلاح بحري جاهز لخوض معارك إن لزم الأمر، “في البر أو في البحر”، بحسب تعبيره.

 

خلاصة تحليلية

يمكن القول إن أديس أبابا، مدفوعة بطموحات توسعية واضحة، تحاول استغلال هشاشة الوضع السياسي في الصومال و”صوماليلاند”، وعلاقاتها الخاصة مع بعض القوى الدولية، لفرض واقع جديد على السواحل الصومالية. وبينما تتحدث العناوين الرسمية عن التجارة والسياحة، فإن جوهر التحركات يتمحور حول البحر – ذلك الحلم الإثيوبي المزمن.

وفي ظل تصريحات عسكرية متزايدة اللهجة، وتفاهمات دبلوماسية تتسع رقعتها، فإن السؤال المطروح بإلحاح هو: هل يستفيق الصوماليون قبل أن يجدوا أنفسهم أمام أمر واقع جديد، تُفقد فيه السيادة وتُنهب فيه الجغرافيا؟