الكيد اليهودي للعالم الإسلامي يتضمن تقسيم الصومال والجهاد في القرن الإفريقي يتضمن تحرير فلسطين
كشفت وثيقة للصحفي الإستراتيجي الإسرائيلي أوديد ينون، تحمل عنوان “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات”، طبيعة الخطط المكيدة التي يتربص بها اليهود بالعالم الإسلامي. ولا شك أن الصومال في مرمى أهدافها على الرغم من بعد موقعه الجغرافي عن فلسطين المحتلة.
تستند الوثيقة إلى رؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل مطلع القرن الماضي ومؤسسي دولة الكيان الصهيوني نهاية الأربعينيات، ومنهم الحبر اليهودي فيشمان.
وقالت رابطة خريجي الجامعة العربية-الأميركية في بيان لها عام 1982 إن وثيقة ينون هي أكثر الوثائق وضوحا وتفصيلا -حتى اليوم- بشأن الإستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط، وإن أهميتها لا تتعلق بقيمتها التاريخية، بل “بالكابوس الذي تعرضه”.
نُشرت وثيقة ينون لأول مرة في فبراير/شباط 1982 لتلخص استراتيجية اليهود في إقامة مشروعهم الخبيث “إسرائيل الكبرى”.
على ماذا تستند وثيقة ينون؟
تركّز خطة وينون على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقا كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وعلى الاستيطان بالضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من فلسطين وضم الضفة وقطاع غزة لما يسمى “إسرائيل”.
ووفق الكيد اليهودي فإن “إسرائيل الكبرى” ستضم أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية، وستنشئ عددا من الدول الوكيلة لضمان تفوقها في المنطقة في استمرار لمخطط الاحتلال البريطاني في الشرق الأوسط. الذي سلم فلسطين لليهود.
“بلقنة” الشرق الأوسط والعالم العربي
دعا ينون إلى تقسيم العراق إلى دولة كردية ودولتين عربيتين واحدة للشيعة وأخرى للسنة، وقال “مطلع الثمانينيات” إن الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي حرب بين العراق وإيران، وأشار إلى أن خطة جو بايدن نائب الرئيس الأميركي الحالي تدعو الآن إلى نفس ما دعا إليه ينون.
وأضاف أن ينون دعا أيضا إلى تقسيم لبنان وسوريا ومصر وإيران وتركيا والصومال وباكستان، وتقسيم دول شمال أفريقيا، وتوقع أن يبدأ ذلك من مصر، وينتشر إلى السودان وليبيا وبقية المنطقة، وسيتم تقسيم الدول العربية وغيرها على أسس عرقية أو طائفية وفقا لحالة كل دولة.
“فرق تسد” سبيل الهيمنة
إقامة دولة الكيان المسخ “إسرائيل الكبرى” تعتمد على تفتيت الدول العربية القائمة حاليا إلى دويلات صغيرة تصبح كل منها معتمدة على الاحتلال في بقائها وشرعيتها، لأن الأخير لا يستطيع الاستمرار في البقاء إلا إذا أصبح قوة إقليمية مهيمنة “إمبريالية”.
يقول أوديد ينون:”قيام دولة الأقباط المسيحيين في صعيد مصر مع دويلات ضعيفة حولها هو المفتاح لعملية تاريخية في المستقبل تأجلت بسبب اتفاقية السلام، لكنها حتمية على المدى البعيد”.
ونلاحظ أن الكيد اليهودي لا يستنثي الصومال، فهي في مرمى أهداف التقسيم وبالفعل هناك اليوم تشجيع وجهود حقيقية لفصل إقليم صومالي لاند عن الصومال وتورط الاحتلال في علاقاته وأطماعه في المنطقة معلومة، ويكشفها الرصد والمتابعة، ولم يكن غريبا أن تقترح صومالي لاند وبونتلاند كوطن بديل لأهل غزة، مقابل فتات المال الذي سيقدم للإدارات الإقليمية. كل هذا يدخل ضمن تفتيت الوحدة الإسلامية واستغلال جشع المصالح للحكام الخونة. وما أسهل تحقيق ذلك في ظل غياب تأثير واقعي للشعوب المتشبعة بالوهن!
إن سياسة “فرق تسد” تؤمن لليهود المسلمين مقسمين ومشتتين وجاهزين للخضوع لهيمنتها، وفي الأثناء يستمر مشروع إبعاد الفلسطينيين من فلسطين لا يتوقف، وهكذا اليهود المشردين من شتات الأرض الذين وصلوا إلى فلسطين المحتلة عبر البواخر والسفن للمستوطنين يعكسون الأمر مع أهل فلسطين، فيريدون إرسال الفلسطينين في هجرة عكسية تفرغ لهم الأرض وتحرم المسلمين أرضهم ومقدساتهم، كل ذلك يتم بدعم النظام الدولي وحصانة كاملة من راعية الإجرام العالمي، الولايات المتحدة !
ولنا أن نرى المفارقة العجيبة، كيف يهدد ترامب باحتلال غزة وتسخيرها للسياحة لصالح اليهود، ويطرد أهلها لزوايا الأرض بكل صفاقة، هذه هي الحريات والأمن والسلام الذي يحمله الأمريكان للمسلمين؟!
العجز بالمقابل
وللأسف رغم وضوح خطط ومكائد اليهود المجرمين، لا نرى مقابلها خططا تليق بحجم الخطر الذي يتوعد كل المنطقة، ولا نزال نرى الضعف والعجز والتوجس!
مع أن اليهود لا يملكون الجيش الكافي، بشريا، ولا الديمغرافية التي يمكنها أن تملأ المساحات التي ستحتل.
ومع ذلك يود أن يحتل كل هذه المناطق الواسعة لترسيخ أركان مشروعه الفاسد. ولذلك يمعن في القتل بآلة تتارية مغولية، لينقص عدد المسلمين في المنطقة، وهو يتوعد كل المنطقة!
لذلك كان من ضمن ما قالته وثيقة ينون إن الدول العربية، وبسبب أقلياتها العرقية والطائفية لا تستطيع التعامل مع مشاكلها الأساسية، وبالتالي لا تشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل على المدى البعيد! فهم مطمئنون!
كيف يرى اليهود العالم الإسلامي؟
قالت الوثيقة إن العراق لولا قوة نظام حكمه وجيشه وموارده النفطية لكانت حاله ليست أفضل من لبنان، والدول الإسلامية (“إيران”، وباكستان، وتركيا، وأفغانستان) لا تختلف كثيرا عن الدول العربية، ووصفت المنطقة من المغرب إلى الهند ومن الصومال إلى تركيا بالاضطراب والهشاشة.
ودعت بقوة إلى إعادة سيناء لإسرائيل نظرا “لثرائها في النفط والغاز والمعادن الأخرى”، وقالت إن مصر لا تمثل مشكلة عسكرية إستراتيجية بسبب صراعاتها الداخلية، “ومن الممكن لإسرائيل أن تعيدها إلى مرحلة ما بعد حرب يونيو/حزيران خلال يوم واحد”، وأعربت عن الأسف لعدم استغلال حرب يونيو/حزيران 1967 لطرد الفلسطينيين غرب النهر وتسليمهم الأردن.
وقالت إنه إذا تفتت مصر، فإن دولا مثل ليبيا والسودان وحتى الدول العربية الأبعد ستتفتت هي الأخرى، وإن قيام دولة الأقباط المسيحيين في صعيد مصر مع دويلات ضعيفة حولها هو المفتاح لعملية تاريخية في المستقبل تأجلت بسبب اتفاقية السلام، لكنها حتمية على المدى البعيد.
الدور الصهيوني في صراع القرن الإفريقي
يرجع دور اليهود في الصراع في القرن الإفريقي، لتاريخ قديم، ولا يزال موقفهم من الغزو الأثيوبي الأمريكي للصومال في كانون الأول (ديسمبر) 2006، موثقا بالفرح والابتهاج، والتفاعل المرحب باحتلال الصومال على وسائل الإعلام الإسرائيلية حيث تباهت بدور الكيان المسخ “إسرائيل” في دحر سلطة المحاكم الإسلامية،
وساهم اليهود بلا هوادة في صناعة الاستعداء وتعبئة الرأي العام الغربي ضد الصومال، طبقاً لما جاء في جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 19/1/2007 التي نشرت تقارير مفصلة متسلسلة عن دور “إسرائيل” في عملية الغزو الأثيوبي مستخلصة من المصادر الإسرائيلية.
وأخذ الإعلام الإسرائيلي يروج لأساطير أغرب من الخيال كتلك الأساطير المشهورة المؤسسة للدولة اليهودية تزعم بها أن الصومال أرض مقدسة يهودية وكانوا يسمونها بلاد بونت، وأن أنبياءهم موسى الأسود وحزقبيل وحبقوق عاشوا في الصومال.
وإذا غضضنا الطرف عن الأساطير القديمة فإن الأساطير الجديدة التي تروج لها وسائل الإعلام الإسرائيلية تشير إلى أن هناك 50000 يهودي صومالي يعيشون في “إسرائيل” نزحوا إليها من الصومال لأسباب متعددة من بينها الاقتتال الداخلي في أوائل التسعينيات، وأنهم يحتلون مواقع مهمة في الاقتصاد الإسرائيلي، ويتزايد تأثيرهم بصورة مضطردة وبالتحديد مع القوة التي يتمتعون بها وسيطرتهم على الصناعات الهامة في فلسطين المحتلة وفي بعض دول العالم والتي من بينها الصومال.
وقد دأبت الحركة الصهيونية منذ نشأتها على اختلاق الأكاذيب التي تخدم مصالحها السياسية وبترديدها عبر وسائل الإعلام الدولية التي تسيطر عليها تغرزها في عقول الرأي العام الجاهل المتعاطف معها وتسعى إلى فرضها بالقوة المادية، وهي واثقة بأن السيطرة الأمريكية على الصومال تسهل لها أيضاً تمرير طموحاتها التوسعية.
وفي انتشاء ظاهر، بثت إذاعة صوت “إسرائيل” تقريراً لها جاء فيه أن بعضاً من اليهود الصوماليين وبالتعاون مع يهود الفلاشا قاموا خلال الحرب الأخيرة بجمع تبرعات مالية وبمجهودات مكثفة لحث الحكومة الإسرائيلية على مساعدة القوات الأثيوبية الغازية للصومال وتوفير المال والعتاد اللازم لها لمواجهة المحاكم الإسلامية التي سيؤدي انتصارها إلى هدر حقوق الطائفة اليهودية وتعريض حقهم في أرضهم المقدسة للخطر!!! بل وصل الأمر إلى حد مشاركة العسكريين الإسرائيليين المنحدرين من أصول يهود الفلاشا في خوض الحرب ضد المحاكم الإسلامية.
إن “إسرائيل” تعتبر أثيوبيا منذ تأسيسها حليفاً استراتيجياً لكونها البوابة الخلفية الحارسة لـ”إسرائيل” على البحر الأحمر، بدء بعهد الإمبراطور هيلاسيلاسي الذي كان يتفاخر بأصوله اليهودية وأنه من سبط يهوذا وحفيد ملكة سبأ، مروراً بالطاغية منغستو إلى عصر ملس زناوي الذي يزهو بأنه حقق ما لم يحققه إمبراطور حبشي من قبل بمد حدود الإمبراطورية إلى شواطئ المحيط الهندي. واليوم تعتبر أثيوبيا بحكم تحالفها مع الولايات المتحدة القوة الإقليمية المهيمنة في القرن الإفريقي.
وبفضل مساعداتها للحركة الانفصالية في جنوب السودان وزعزعة الاستقرار في دارفور وعلاقاتها الوثيقة مع أوغندا وكينيا ودول البحيرات الكبرى استطاعت الإمساك بخناق مصر والسودان بالسيطرة على منابع النيل وتحجيم دوريهما الإقليميين الإفريقي والعربي. لذلك فإن هذا التحالف يعتبر بمثابة ركيزة أساسية، وإضافة لنقاط القوة التي في حوزتها في تطلعها للسيطرة على العالم العربي والشرق الأوسط. كما أن سيطرة أثيوبيا على الصومال تتيح لإسرائيل إحكام قبضتها على البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي، ناهيك عن نهب موارد الصومال الاقتصادية والبترولية والبحرية، الذي يضاعف من قدراتها الاقتصادية والاستراتيجية في تهديد الأمن العربي.
تحتل أثيوبيا دائماً مركز الثقل في السياسة الخارجية الإسرائيلية ومن ثم توافقهما وتعاونهما في سياستيهما إزاء الصومال، ولذلك فإن “إسرائيل” باركت وتبارك باستمرار التوغل الأثيوبي في الصومال ابتداء من التسعينيات، وتقسيم الصومال إلى كانتونات مشتتة خاضعة لأثيوبيا.
وليس سراً لأحد أن أمراء الحرب بمختلف انتماءاتهم العشائرية بدون استثناء، كانوا يتلقون الدعم المالي والعسكري من “إسرائيل”، وأن الأسلحة الإسرائيلية كانت تمرر إليهم عبر أثيوبيا، وأنها متورطة حتى النخاع في المعركة الدائرة لتدمير الصومال وتمزيقه إلى كيانات عشائرية هلامية وتفتيت وحدته الترابية وإلغاء هويته العربية والإسلامية.
من المعروف أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لا تحكمها المصالح الأمريكية فحسب، بل تحكمها المصالح الإسرائيلية أيضاً، بل إن مصالح الأخيرة تعلو فوق مصالح الأولى، بفضل سيطرة اللوبي الإسرائيلي وقدرته على انتزاع القرارات من قمة هرم السلطة من وراء ظهر الحكومة وجهات الاختصاص ذات الشرعية الدستورية، بل ورغم أنفها.
وقد تناول هذا الموضوع بالتفصيل حاييم وايزمان الذي كان أول رئيس للحركة الصهيونية وللوكالة اليهودية وأول رئيس لدولة “إسرائيل” في مذكراته عن تاريخ إنشاء الدولة اليهودية. إذ قال إنه كان باستطاعته الوصول في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وإلى رؤساء الوزارات ورؤساء الجمهوريات واستصدار قرارات منهم لصالح المصالح الصهيونية في البداية وفيما بعد الإسرائيلية بغض النظر عن القرارات الاستراتيجية التي تتخذها الهيئآت المختصة كالخارجية والدفاع، بل وفي مواجهة معارضتها القاطعة.
وهذا هو التفسير الوحيد للقرار الأمريكي بإطلاق يد أثيوبيا في شن الحرب على الصومال رغم أنه يتناقض مع المصالح الأمريكية الاسترتيجية، ولا سيما على ضوء الفشل الذريع الذي منيت به في حروبها الخائبة والمنكسرة في أفغانستان والعراق. ورغم مرور عام على هذا الغزو، فإن الحركة الجهادية الباسلة استطاعت أن تحبط كل الأهداف السياسية للمشروع التوسعي الأثيوبي المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً.
وبعد تخطيط دام أكثر من سبعة عشر عاماً وخلق الأرضية بإثارة النعرات العشائرية وإدارة الصراعات فيما بينها بالريموت كونترول، وبعد أن تمت عملية الاحتلال وجندت قوات الاتحاد الإفريقي لحمايتها وبعد أن استشعروا الثقة بأنهم كسبوا الحرب، خرج المارد من قمقمه وهب الشعب الصومالي يدافع عن نفسه في حرب مقاومة شرسة لم يمتنع الغزاة فيها عن استخدام الطائرات والدبابات والصواريخ ضد المدنيين العزل انتقاماً لضحاياهم وترهيباً من مواصلة القتال، ومع ذلك فإن العالم لا يحرك ساكناً أمام جرائم الحرب التي ترتكب، لأن القطب الأوحد الذي يقود العالم في حروبه الوهمية ضد الإرهاب يريد لهذه الجرائم أن تحدث، ألا يفعل نفس الشيء في أفغانستان والعراق وفلسطين؟!
حاولت نائبة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية الأمريكية جنداي فريزر بعد أسبوع من الغزو الأثيوبي، أن تزور مقديشو لتهنئ أثيوبيا على انتصارها، وتعلن أن المهمة قد أنجزت، وتفتتح السفارة الأمريكية، وتدشن العهد الأثيوبي الجديد في القرن الإفريقي. لكنها لم تستطع أن تنفذ الزيارة حتى اليوم لأن البركان الصومالي كان يقذف بحممه بلا توقف، الأمر الذي دفع كلا من جينداي فريزر وملس زناوي إلى الاعتراف بأنهما أخطآ التقديرات، وأنهما لم يأخذا بالحسبان المقاومة الجهادية.
إزاء فشل هذا المخطط وارتباكهم أمام الورطة التي سقطوا فيها بفضل سيطرة حركة الشباب المجاهدين على البلاد، أعلن البنتاغون في يأس أن لا خير يرجى من جنوب الصومال، وأنه لا يمكن التعامل مع الواقع هناك بسبب الفوضى الضاربة أطنابها، ولذلك يحولون انتباههم إلى قاعدة بربرة الاستراتيجية في إقليم صومالي لاند، ويريدون فصله عن الجنوب، والاعتراف بانفصاله.
وبدأت المساعي الحثيثة في واشنطن ولندن ولدى الاتحاد الإفريقي لتحقيق ذلك. وقد استقبل وفد من صومالي لاند من قبل ملكة بريطانيا، كما استقبل نفس الوفد من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع. ولا تزال التقارير تتوالى اليوم عن نية أمريكا الاعتراف باستقلال صومالي لاند.
أبطال الصومال في حراسة الثغر الجنوبي للعالم الإسلامي
قال حامد العلي في كلمة له أثناء الغزو الإثيوبي للصومال في 2006: “لن نقولهــا لهم، فهم أعرف بواجبهم.. ولن نستنهضهم، فهــم الأسْدُ شارعة القنا تحمي الإسلام.. ولن نصف لهم شـدّة ما يقع في أهل الإسلام من المصاب الجائر، وما يحيط بهم من الكيد الفاجـر، فإنّهم يرونه كلّ يوم، فلم يبلغ أعداء الإسلام في تاريخه أشـدّ ما كانوا ائتماراً، وأعدى ما كانوا عدواناً، وأخبث ما كانوا رغبةً في الكيد له، والنكاية فيه، ما بلغت هذه الحملة الصهيوصليبية التي نرى شررها يتطاير على أمّتنا كلّ حين، وضررها ينتشر في كلّ بلاد المسلمين.
فهاهم إخواننا المجاهدون في فلسطين، والشعب الفلسطيني بأسره، تهراق دماؤُهم كلّ ساعـة، أطفالاً ونساءً وشيوخاً.. وأحياؤهــم يُحاصرون ويجوّعون، ليخضعوا للصهاينة ويُقرّوا بأشنع جريمة ارتكبت في حق الإسلام والمسلمين في العصر الحديث.. اغتصاب فلسطين!
وأما العراق، فمشروع تقسيمه جـارٍ بغيـةَ تحطيمه، وبتره من جسـد الأمّـة، وأهلُ السنة في العراق يُسامون سوء العذاب من العلاقمة أبناء المجوس، تحت راية الصليبية الحاقـدة وبإشرافها، وعلماء السنة في بغداد الخلافـة يستغيثون فلا يجدون إلا آذاناً صمّـاً، وأعيناً عميـاً، وقلوباً غلفا ، حتّى دعوْا على من خذلهـم، من علماء السوء أذناب الطواغيت، الشياطين الخُرس، الذين سلّموا لحاهم للصهيوصليبية فاستعملتها مكانس لمشروعها!
وأفغانستان تحوّلت إلى مرتع لأعظم المفسدين في الأرض، من الصليبين وأولياءهم، يقتّلون أبناء المسلمين، ويفسدون نساءهم، وينصرون أبناءهم!!
وما رُميت الأمـّة بسهم أوهى لجـَلَدِها، وأوهن لعضدها، وأدمى لكبدها، من سهم هذه الحملة الصيهوصليبية التي تزعم الحرب على الإرهاب، وإنما جاءت لترهب الإسلام وأهله، لتردّهم عن دينهم، وتعبث بثقافتهم، وتفرض هيمنتها، تبتغي أن ترفع راية الصليب، ونجمة الصهاينة في ديار المسلمين..
ولكن هيهـات..
وعلماء الصومال وقادتها المباركون، ومن وراءهم شعبها المسلم الممتلئ صدره بنور الإيمان، وحماسة أحرار الرجال، يعلمون ذلك كلّه.. وأنعـِـم بهم رجالاً، وأكرِم بهــم أبطالاً. لكننا نذكّرهم، والذكرى إنما تنفع المؤمنين، بأنّ الله تعالى إنْ ساق لهم الجهاد وفتح لهم بابـه العظيم، فإنما يفتح لهم أعظم النعـم، ويعرضهم لأعلى الدرجات ليبلغوا أرقى القمم..
غير أنـّه أيضا يبتلهم بـه، فهذه الراية المحمديّة، منسوبة إلى مقام سيد البشر أجمعين، هو عقد لواءها بيده، ورفعها إلى ذروة سنام الإسلام، ونصبها قلعة تحميه، وركزها حصنا يحويه. قاتل تحتها الصحابة، وجبرائيل، وميكائيل، وخير وأكرم ملائكة السماء، فمن حملها فليحملها بأمانتها، ومن رفعها فليرفعها بحقّها، وحقّها في كتاب الله: النصر أو الشهادة، { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }.
كما نذكرّهم بأن هذه الغارة الصليبة على العالم الإسلامي ليست تستهدف في الصومال شيئـاً سوى الإســلام، وإنما تستهدف الصومال لأنـّه رفع رأسه شامخاً يأبى الذلّ للطاغوت العالمي، كما كان دائما أبيّا عاصياً على المستبدّين.
وهـي تستهدف الصومال أيضاً، لأنّهم يخشون أن يكون منطلق بؤرة ثورة جديدة تحطّم صنمهم الذين غدوْا ينصبونه في كلّ عاصمة من عواصم الإسلام، صنم التبعيّة للإمبريالية الغربية المستكبرة، تلك التبعية التي وصلت إلى حدّ التدخل في مناهجنا الدينيّة، وصياغة ثقافتنا من جديد، وتبديل أخلاقنــا، وتوجيهنا حتى في لباس نساءنا!
فالمعركة أكبر بكثير من حدود بلد واحد، وأشـدّ خطــراً من تهديد شعب؛ إنها حرب على الإسلام ترمـي إلى غروب شمسه، وإطفاء نوره. ويكفينا هنا على عجالة، أن نتذكـّر ما نصت عليه وثيقة (ريتشارد بيرل) و(دوجلاس فيث)، ومعهما مجموعة من المحافظين الجدد المتصهينين، تلك المشهورة والمنشورة في مصادرعديدة عـام 1996م، على أن استراتيجية تقسيم المنطقة وتغيير هويتها العربية عن طريق إقامة كيانات سياسية ضعيفة التسليح، لكي يصبح الكيان الصهيوني هو القوة الإقليمية الكبرى المسيطرة فيها، وذلك بعد احتلال العراق وإعادة تشكيلـه على أساس طائفي، هـو أولى الواجبات على أمريكا.
ثـم ليس غريبا أن تكون أفكار هذه الوثيقة مستقاة من وثيقة أوديد يانون التي نشرت في مجلة الحركة الصهيونية عام 1982م، تحت عنوان: ( AStrategy for Israel in the 1980s ) . ولسنا نحن، بل مجلة نيوزويك 11/3/2003 التي نقلت عن بوش: (إن الولايات المتحدة مدعوة إلى إيصال هدية الحريّة -الحرب الصليبية- التي منحها الرب لكلّ إنسان على وجه المعمورة). ولسنا نحن، بل كاتب خطاباته الشهير ديفيد فرام الذي كتـــب خطاب 11/9، وخطاب (محور الشر)، وصفه: (يحكم بعقيدته الدينية )، ووصف إدارته بـ (نظام عسكري وثقافة التبشير). إنها باختصار الحرب ذاتها التي تخوضها الصهيوصليبية في العراق وأفغانستان وفلسطين، إنها الحرب ذاتها على التوحيد وشريعة الإسلام، فهؤلاء المجرمون لم يبالوا بالصومال عندما كان جائعاً، لكنهم جاءوا يولولون بكلّ حقدهم وحنقهم، عندما رفرفت راية الإسلام على ربوعه، وسكن الناس إلى ظلهّا، واطمأنّوا إلى عدلها، ورحمتها.. فاستأجرت الصهيوصليبة أولاً حثالةً من المجرمين لكسـر راية الحقّ في الصومال، فلما سُقط في أيديهم، وفرّقت شملَهم كتائب التوحيد الزاحفة براية الجهاد، حرّضوا أذنابهم من الخونة لإستدعاء القوات الدولية التي هي قناع الهيمنة الأمريكية الصهيوصليبية، ثـم هرعُوا يحرضون الحبشة لقيطتهم الصليبية الخبيثة، يحرضونها على صومال الإسلام والشموخ.
وسيمضي أبالسة الطغيان الأمريكي وأذنابهم، في مكرهم بكلّ سبيل، لحصار أهل الجهاد في الصومال، ثم الضغـط عليهـم ليضعوا سلاحهم، وليرتدّوا عن جهادهم، وليقبلوا بألاعيب المكر السياسي التي تنتهي في آخر المطاف إلـى إخضاع الشعب الصومالي، لصنم البيت الأسود!
غير أنّهم يعرفون القوم الصوماليين، وأنّهم إن دخلوا الصومال غازين، فستكون ذكرى فيتنام كالنزهـة، ولهذا سيحرّشون عليهم الخونة والعملاء والأذناب من الداخل والخارج.
والله تعالى العليّ العزيز نسأل أن يمـدّ أهل الجهاد في الصومال بسكينة القلوب، وعزيمة النفوس، وسداد الرأي، وثبات الجأش، والنصر المظفـر. ويا أهل الإسلام، وأسود الجهـاد، وأصحاب النجدة…
إلى الصومال أتتكم راية الأبطـال تهفــــو إلى الصومال أعطــوُها اليمينا
فإمّا أن تكــونوا خير جنــد كما كنـتــم أســــوداً فـــاتحينــا
بواسل تملأ الميدان رعبــا وترسل في تقدّمها المنـــونــا
وإلاّ فالجهــاد لـه رجـــــالٌ تـــدكّ به المعاقـل والحصونــ
وإلى اليوم الحال كما وصفه الشيخ حامد العلي، ولا تزال حملات الصهيوصليبية تتحطم على صخرة جهاد الصومال العتية، ولله الحمد فقد تمكن فرسان الإسلام في هذه المنطقة الاستراتيجية في العالم الإسلامي من القصاص من الجنود الإسرائيليين ضمن هجماتهم على القواعد الأمريكية، وأطلقت حركة الشباب المجاهدين حملة عسكرية بعنوان “القدس لن تهود” نصرة لفلسطين وأسست لواء القدس في جبال غوليس، يجمع ويعد! وتحرير فلسطين ضمن قائمة أهداف الجهاد في القرن الإفريقي.
فإن كان الاحتلال اليهودي يريد تقسيم الصومال، فإنه لن يتمكن من القضاء على روح الجهاد التي تسري في أهل الصومال الأنصار والمهاجرين، وإن المقاتلين في الصومال ليتبايعون على الموت ويقاتلون في شرق إفريقيا وأعينهم على فلسطين.
لذلك على يهود أن يتوقعوا الأسوأ! فمخططاتاهم ومكائدهم سيحرقها أهل الثغور والجهاد وينسفونها في اليم نسفا.
وإن كان الكيد اليهودي للعالم الإسلامي يتضمن تقسيم الصومال
فإن الجهاد في القرن الإفريقي يتضمن تحرير فلسطين.