انسحاب أمريكي وشيك… هل تعيد واشنطن سيناريو أفغانستان في الصومال؟
تشير تقارير متزايدة خلال الأسابيع الماضية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تفكر جديًا في الانسحاب من الصومال، بعد سنوات من الانخراط العسكري المباشر وغير المباشر، في حرب طويلة ومعقدة ضد حركة الشباب المجاهدين، والتي لا تزال تحتفظ بوجود قوي ونفوذ واسع، رغم كل الدعم الأمريكي لحكومة مقديشو وحلفائها الإقليميين.
ووفقًا لما كشفته صحيفة نيويورك تايمز، فإن النجاحات الميدانية التي حققتها حركة الشباب المجاهدين، خاصة في مناطق جنوب ووسط الصومال، أدّت إلى نقاشات حساسة داخل وزارة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك احتمال إغلاق السفارة الأمريكية في مقديشو.
من جهة أخرى، نشرت مؤسسة Responsible Statecraft – وهي مركز أبحاث بارز في واشنطن يُعنى بالسياسات العسكرية والدبلوماسية – تقريرًا بعنوان: “لماذا تعجز الولايات المتحدة عن هزيمة حركة الشباب؟”، أكدت فيه أن الحديث عن إغلاق السفارة ما هو إلا غطاء سياسي لإخفاء الفشل الاستراتيجي الأمريكي في الساحة الصومالية.
إعادة سيناريو أفغانستان؟
يحذر التقرير من أن ما يحدث في الصومال اليوم يُشبه إلى حد كبير ما جرى في أفغانستان عام 2021، حيث انسحبت القوات الأمريكية بعد عقدين من القتال، في مشهد يُرجح أن يتكرر مع التقدم المستمر لمقاتلي الشباب الذين استعادوا مناطق واسعة، مقابل تراجع ميليشيات الحكومة الصومالية رغم الدعم الجوي واللوجستي الدولي.
العملية الأخيرة التي نفذها مقاتلو حركة الشباب المجاهدين لتحرير مدينة مقكري في ولاية هيران وسط الصومال لقيت اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام الدولية، ووصفتها صحيفة الشرق الأوسط الصادرة باللغة العربية بأنها “نصر ميداني كبير” للحركة، كشف في المقابل عن حجم الانهيار الذي تعانيه القوات الحكومية.
وفي تحليل نُشر بصحيفة The Hill الأمريكية واسعة الانتشار في واشنطن، أُشير إلى أن إدارة بايدن تدرس فعليًا الانسحاب من الصومال، بعدما “احترقت أصابعها” في مغامرة عسكرية لم تؤت ثمارها.
تصريحات رسمية تُقوّي الفرضية
وأكّد هذه الفرضية حمزة ورفا – موظف سابق في البيت الأبيض ومستشار في مجلس الشؤون الداخلية – حيث قال إن الحرب ضد حركة الشباب “لا تُحقق مصالح ملموسة للمواطن الأمريكي”، بل هي استنزاف عبثي للموارد.
التقرير ذاته أشار إلى أن معظم دول شرق أفريقيا، ومنها الصومال، لا تمثل وزنًا اقتصاديًا حقيقيًا للولايات المتحدة، حيث لا تأتي حتى ضمن قائمة أهم عشر شركاء اقتصاديين أمريكيين في القارة.
أمن البحر الأحمر.. مبرر غير مُقنع
كما انتقد التقرير الفرضية القائلة بأن حماية الملاحة في البحر الأحمر تتطلب وجودًا عسكريًا في الصومال، معتبرًا ذلك تبريرًا ضعيفًا لا يرقى إلى منطق الاستراتيجية الاقتصادية أو الأمنية. وأكّد أن المخاطر التي يتعرض لها الجنود الأمريكيون والمقاولون العسكريون هناك “لا تُعادل بأي شكل الفوائد المزعومة من بقاء القوات في المنطقة”.
مشاهد الفشل تتكرر منذ 2007
بحسب ذات المصدر، فإن الوجود الأمريكي العسكري في الصومال يعود إلى عام 2007، لكن وعلى مدار كل هذه السنوات، لم تنجح واشنطن – رغم التدريب والتمويل – في بناء قوة محلية قادرة على مواجهة حركة الشباب المجاهدين بمفردها. ويُضاف إلى ذلك تكاليف باهظة على المستوى الاقتصادي والعسكري، ما جعل المشروع الأمريكي في الصومال يبدو اليوم وكأنه نسخة باهتة من “حرب بلا جدوى”.
قلق أفريقي واسع النطاق
الحديث المتزايد عن الانسحاب الأمريكي أثار قلقًا شديدًا لدى حلفاء واشنطن في أفريقيا، وعلى رأسهم أوغندا، والتي تُعد أحد أعمدة القوات الأفريقية في الصومال. فقد خرج الجنرال موهوزي كاينيروغابا، القائد الأعلى للجيش الأوغندي، بتصريحات علنية يدعو فيها والده الرئيس يوري موسيفيني إلى سحب القوات الأوغندية من الصومال فورًا.
صحيفة Nile Post الأوغندية نقلت عن محللين أمنيين أن نداء الجنرال ليس فقط رد فعل على انسحاب أمريكي محتمل، بل هو أيضًا نتيجة مباشرة للإحباط الذي تسببت به سلسلة الإخفاقات الميدانية للتحالف الأفريقي المدعوم أمريكيًا.
وفي الختام:
يبدو أن الصومال بات اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تُشبه إلى حد بعيد سيناريو كابول 2021، حيث تُعيد الولايات المتحدة تقييم وجودها العسكري في منطقة لم تعد تمثل أولوية إستراتيجية أو اقتصادية. ومع توسّع نفوذ حركة الشباب المجاهدين، وتراجع الميليشيات الحكومية رغم كل أشكال الدعم، يلوح في الأفق انسحاب أمريكي لا يُستبعد أن يُعيد ترتيب أوراق المنطقة برمّتها.