تأمين القرن الإفريقي: دور الصومال في تعزيز المصالح الأمريكية
خلال جلسات الاستماع الأخيرة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، طرح كل من جوشوا ميسرفي من معهد هدسون، وميشيل غافين من مجلس العلاقات الخارجية، قلقًا متزايدًا في واشنطن: القرن الإفريقي يقف على مفترق طرق بين الانهيار والفرص. ومع ذلك، أشار كلا الشاهدين، كل بطريقته، إلى أن على الولايات المتحدة تقليل توقعاتها تجاه صومال موحّد، والتوجه بدلًا من ذلك نحو التعامل مع الولايات الفيدرالية أو جهات محلية أخرى. ورغم أن هذا المسار يبدو عمليًا، إلا أنه في النهاية مهلك للمصالح الأمريكية. بحسب مقال للكاتب محمد موسى حسن.
الصومال ليس شريكًا سهلًا
وقال الكاتب:”دعونا نكن واضحين: الصومال ليس شريكًا سهلًا. فطريق ترسيخ الديمقراطية وإصلاح قطاع الأمن يسير ببطء محبط، والفساد متجذر، وحركة الشباب تمثل تهديدًا نشطًا وخطيرًا. لكن التخلي عن فكرة الصومال الموحد والقوي، مهما كان ناقصًا، ليس تصرفًا محايدًا، بل هو انسحاب استراتيجي يفتح المجال لقوى عالمية أخرى لملء الفراغ، مما يؤدي إلى تفتيت البلاد أكثر، وإضعاف شريك محتمل مهم للولايات المتحدة في المنطقة”.
التفكك ليس استراتيجية
في شهادته، دعا ميسرفي إلى الابتعاد عن مقديشو والتعامل مع الولايات الفيدرالية، واصفًا محاولة بناء حكومة مركزية بأنها “تجربة فاشلة”. ومع أن هذا الطرح يعكس بعض الحقائق الصعبة، إلا أنه يتغافل عن نقطة جوهرية: التفكك ليس استراتيجية. التعامل مع الأطراف المحلية قد يحقق مكاسب سريعة في مجال مكافحة الإرهاب، لكنه يقوّض الهدف طويل المدى: بناء دولة صومالية قادرة على تأمين أراضيها، وضبط حدودها، وتمثيل شعبها. بحسب الكاتب.
وقال الكاتب:”البديل هو صومال مجزأ، مكوّن من أقاليم مستقلة تتنافس على الموارد والشرعية والنفوذ. وهذا السيناريو مثالي للاستغلال من قبل قوى خارجية. فليس فقط الجماعات الإرهابية، بل أيضًا دول مثل إيران، والإمارات، وروسيا، والصين مستعدة للعب دور في هذه الساحة المنقسمة. تشجيع هذا التفكك يضعف المؤسسات الوطنية التي يمكن أن تكون حصنًا في وجه هذه التدخلات”.
تجربة فاشلة سابقة
وبحسب الكاتب، فكرة bypass الحكومة الفيدرالية والتعامل مباشرةً مع الفاعلين المحليين ليست جديدة، بل جُرّبت في السابق وفشلت. ففي عام 2005، دعمت الولايات المتحدة تحالفًا من أمراء الحرب تحت اسم “تحالف استعادة السلام ومكافحة الإرهاب”، رغم وجود الحكومة الانتقالية الفيدرالية. لكن فساد ووحشية أمراء الحرب أدت إلى نفور شعبي واسع، مما مهّد الطريق لظهور اتحاد المحاكم الإسلامية، الذي طرد أمراء الحرب من مقديشو عام 2006.
بدلًا من دعم مسار السلام بين الحكومة الانتقالية والمحاكم الإسلامية في مؤتمر الخرطوم، دعمت الولايات المتحدة تدخلًا عسكريًا إثيوبيًا للإطاحة بالمحاكم. كانت نتيجة هذا التدخل القصير النظر تدمير فرص السلام، وتهميش المعتدلين، وتمهيد الطريق لنشوء حركة الشباب، التي أصبحت واحدة من أخطر الجماعات التابعة للقاعدة في العالم.
وبعد قرابة عشرين عامًا، لا تزال الصومال والمجتمع الدولي يدفعان ثمن تلك السياسات. مليارات الدولارات أُهدرت، وآلاف الأرواح فُقدت، والمنطقة لا تزال غير مستقرة. هذه النتائج لم تكن حتمية، بل كانت نتيجة لقرارات سياسية تجاهلت أهمية بناء دولة صومالية قوية وشرعية. بحسب الكاتب.
تكلفة الانسحاب مرتفعة
ميشيل غافين وجوشوا ميسرفي حذرا من أن المنافسين الاستراتيجيين قد سبقوا إلى المنطقة. فـإيران تعيد علاقاتها وترسل طائرات مسيرة، وتركيا لديها قاعدة عسكرية في مقديشو، والإمارات تستثمر عبر شركات أمن خاصة واتفاقيات اقتصادية، أما الصين فتبني بنية تحتية وتؤسس لنفوذ سياسي متنامٍ. بحسب الكاتب.
إذا اعتُبر الصومال دولة منهارة لا أمل في توحيدها، فلن يُترك وشأنه، بل سيُجزأ إلى مناطق نفوذ. وكل لحظة تتراجع فيها الولايات المتحدة، تعطي رسالة لبقية اللاعبين بأن الصومال “لعبة مفتوحة”. وهذا أمر يجب أن يثير قلق صناع القرار الأمريكيين، لأن موقع الصومال الجغرافي يتحكم في ممرات بحرية حساسة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويؤثر مباشرة في الأمن البحري ومصالح الخليج. بحسب الكاتب.
استثمار استراتيجي وليس عملًا خيريًا
يجب ألّا يُنظر إلى دعم مشروع بناء الدولة في الصومال على أنه مجرّد إحسان إنساني، بل هو استثمار استراتيجي. فدولة صومالية فعّالة ومنسجمة مع القيم الغربية – حتى وإن تطوّرت ببطء – تصبّ في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. إنها تتيح منصة للتعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب، وتُقيّد مساحة الحركة للجماعات المتطرفة، وتقدّم شريكًا في مجالات التجارة وتطوير الطاقة. وبنفس القدر من الأهمية، فإنها تُوجّه رسالة إلى الخصوم مفادها أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن المنطقة لصالح النفوذ الاستبدادي أو الحروب بالوكالة. بحسب الكاتب.
ما الذي تعنيه الرؤية الاستراتيجية الحقيقية
نعم، تحتاج الولايات المتحدة إلى تحسين منهجها. يجب أن تعمل مع المجتمع المدني، والقيادات الدينية، وشبكات النساء، والمجموعات الشبابية – وليس فقط مع السياسيين في “فيلا صوماليا”. ويجب عليها ممارسة الضغط لمحاربة الفساد، والمطالبة بالمساءلة في المساعدات والدعم الأمني. لكن عليها أن تفعل كل ذلك بهدف تعزيز تماسك الصومال، لا تجاوز حكومته المركزية. بحسب الكاتب.
دعت غافين إلى صياغة استراتيجية إقليمية لمنطقة البحر الأحمر، وهي محقّة في ذلك. لكن تلك الاستراتيجية يجب أن تتضمن دعامة صومالية متماسكة. فالصومال الضعيف أو المجزأ يجلب معه عدم الاستقرار الإقليمي والتدخلات الأجنبية. أما الصومال القوي، حتى وإن لم يكن كاملًا، فيمكن أن يشكّل حجر الأساس لقرنٍ إفريقي أكثر استقرارًا. بحسب الكاتب.
الولايات المتحدة أمام لحظة حاسمة
الولايات المتحدة لا تملك رفاهية خفض طموحاتها في الصومال دون أن تدفع الثمن. فالوضع في المنطقة يتغير بسرعة. الخصوم يراقبون، والحلفاء يتريثون. وعلى أمريكا أن تقرر: هل تريد صومالًا موحدًا، ذا سيادة، ومستقرًا؟ أم صومالًا ممزقًا، ضعيفًا، وسهل الاستغلال؟
الخيار بأيدينا. والوقت ينفد. بحسب ما ختم الكاتب الذي يهمه بقاء الهيمنة الغربية على الصومال.