مقتل 100 شخص إثر هجوم الدعم السريع على «بروش» شمال دارفور والسياسات الأمريكية بلا جدوى في السودان
قالت حركة جيش تحرير السودان إن قوات الدعم السريع قتلت 100 شخص في منطقة «بروش» بمحلية أم كدادة شمال دارفور. كما نفذت قوات الدعم السريع هجمات مدفعية استهدفت السوق المركزي في مدينة الفاشر مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 30 آخرين.
وأظهر مقطع مصور جثث العشرات من المدنيين مكومة في حفرة كبيرة، تشبه الخنادق التي اعتاد الأهالي إحاطة مناطقهم بها لحمايتها من الهجمات العسكرية.
وتقع أم كدادة على بعد 187كيلومتراً شمال شرق مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. واتهم حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية ضد المواطنين في منطقة بروش بمحلية أم كدادة شمال دارفور.
وأَطلق نداء عاجلاً للأمم المتحدة والمنظمات الأممية مطالباً إياها بالاضطلاع بأدوارها في إنقاذ وحماية المدنيين. وقال في بيان، أمس الإثنين، «إن قوات الدعم السريع ميليشيات إرهابية لن تترك مواطناً في إقليم دارفور يعيش في سلام» مضيفاً: «إنها نشرت مقطعاً يوثق جريمة إبادة جماعية لمواطنين عزل في منطقة بروش بمحلية أم كدادة بولاية شمال دارفور».
وأدان جيش تحرير السودان عملية القتل التي طالت المدنيين في منطقة «بروش» واصفاً ذلك بالمجزرة المروعة والإبادة الجماعية الجديدة.
وقال إن بين الضحايا نساء وأطفالاً وكبار السن، مشيراً إلى أن القوة المهاجمة عاثت فساداً وتدميراً في القرية مستخدمة الأسلحة الثقيلة، مما اضطر ما تبقى من الأهالي إلى الهروب نجاةً بحياتهم.
وأرسلت الحركة تحذيرات لبعض دول الإقليم، لم تسمها، قالت إنها تقدم إمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع تتضمن طائرات مسيرة وأجهزة التشويش والصواريخ بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة.
واتهمتها بإيواء قادة الأحزاب والحركات الموالية للدعم السريع في أراضيها معتبرة ذلك جريمة كاملة ضد الشعب السوداني. وأدانت حركة العدل والمساواة السودانية، بقيادة جبريل إبراهيم، عملية القتل التي طالت المدنيين في منطقة «بروش» واصفة إياها بالجريمة البشعة.
أما في الفاشر، فقد نفذت قوات الدعم السريع هجمات مدفعية استهدفت السوق المركزي في المدينة ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 30 آخرين.
في المقابل، نفذ سلاح الجو التابع للجيش السوداني غارات جوية استهدفت ارتكازات الدعم السريع في محيط خزان «قولو» غرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من منسوبي الدعم السريع وتدمير سبع عشرة مركبة قتالية.
وحسب الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش في مدينة الفاشر، دمر قناصو المسيرات من القوات المسلحة والقوة المشتركة 20 مسيرة انتحارية في محيط الفاشر.
وصد الجيش السوداني والقوة المشتركة للحركات المسلحة، المساندة له، الجمعة، هجوماً يعد الأعنف من نوعه، على الفاشر، حيث انقضت قوات الدعم السريع من خمسة محاور على المدينة.
تلا ذلك هجوم مدفعي نفذته الدعم السريع استهدف المستشفى السعودي، في الفاشر مما أسفر عن سقوط 70 قتيلاً من المرضى والمرافقين في المستشفى.
ومنذ مايو/ أيار الماضي، تحاول قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور غرب السودان. بالمقابل، يواصل الجيش السوداني وقوات الحركات المسلحة المشتركة صد هجمات الدعم السريع.
هل تتجاوز التطورات على الأرض في السودان حسابات الإدارة الأمريكية؟
دخلت الحرب في السودان شهرها الـ 21، تاركة البلاد وسط “أكبر أزمة إنسانية في العالم”، بحسب توصيف العديد من المنظمات الأممية.
وانهارت المنظومة الزراعية في البلد الذي كان يُنظر إليه باعتباره “سلة غذاء العالم”، ليعاني أكثر من 20 مليون شخص -حوالي نصف عدد السودانيين- “انعداماً حاداً في الأمن الغذائي”، وفقاً للأمم المتحدة.
وتسببت الحرب في مقتل نحو 150 ألف شخص، وتشريد نحو 11 مليون آخرين -حوالي رُبع عدد السكان- من ديارهم، في “واحدة من أكبر أزمات التشريد في العالم”.
وتقول الخارجية الأمريكية إن نحو 30 مليون شخص في السودان، هم في حاجة إلى مساعدات إنسانية.
ومنذ بدء الحرب في السودان، قاومت إدارة جو بايدن الديمقراطية ضغوطاً للتخلّي عن “سياسة الحيادية” تجاه طرفي الصراع، وارتفعت أصوات في الكونغرس، على رأسها صوت السيناتور الجمهوري جيم ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية، للمطالبة بفرض عقوبات على قيادات قوات الدعم السريع (قوات سودانية شبه عسكرية).
وأخيراً، وفي السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، وقبل أيام من تسليم السلطة إلى الإدارة الجديدة، اتهمت إدارة الرئيس المنتهية ولايته بايدن قوات الدعم السريع بارتكاب “إبادة جماعية في إقليم دارفور” غربي السودان، وبموجب ذلك الاتهام، فرضت عقوبات مالية على قيادات الدعم السريع وعلى سَبْع شركات يُعتقد أنها تموّلها من دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن لم تكد تمرّ أيام معدودة، وتحديداً في الـ 16 من الشهر نفسه، حتى فرضت الإدارة الأمريكية ذاتها عقوبات على قائد الجيش السوداني والحاكم الفعلي للبلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان، متهمة إياه بـ “زعزعة الاستقرار وعرقلة الانتقال الديمقراطي في السودان”، وجمّدت بموجب ذلك أي أصول يمتلكها البرهان في الولايات المتحدة.
الخارجية السودانية، بدورها، أدانت العقوبات الأمريكية على البرهان، قائلة إنها “تفتقر إلى العدالة والموضوعية”.
أيضاً، قوات الدعم السريع، أنكرت أي دور لها في هجمات عرقية وإبادة جماعية، واصفة القرار الأمريكي بأنه “مؤسف ومنحاز وغير دقيق”.
وتعد هذه العقوبات الأمريكية حتى الآن أقوى وأهم تدخّل دولي في هذا “الصراع الوحشي”.
ياسر زيدان، الباحث في شؤون القرن الأفريقي بجامعة واشنطن، في حديث لبي بي سي، وصف العقوبات الأمريكية التي جاءت في الوقت الضائع بالنسبة لإدارة بايدن، بأنها إنما اتُخذت “لحفظ ماء الوجه”.
وبحسب زيدان، تعرّضت إدارة بايدن لضغوط كبيرة بسبب إهمالها ملف السودان، وفشلها في التوصل إلى اتفاق.
يقول زيدان إن “هذه العقوبات جاءت في وقت كان يُفترَض من الإدارة الأمريكية أن تقدّم فيه تقريراً عمّا إذا كانت دولة الإمارات لا تزال مستمرة في دعم قوات الدعم السريع، التي أصبحت الآن متّهمة بارتكاب إبادة جماعية”.
“لكن هذا التقرير بشأن دعم الإمارات لم يخرج للنور، واكتفت إدارة بايدن ببيان العقوبات على قادة الدعم السريع، في محاولة للَفت الأنظار عن دور الحليفة الخليجية”، على حد تعبير الباحث السوداني.
هذه العقوبات الأمريكية على قادة طرفي الصراع السوداني كليهما، دفعت مراقبين إلى الاعتقاد بأنها قد تؤثر سلباً على صعيد إمكانية التوصل لأي اتفاق سلام؛ كون العقوبات تحول دون ظهور هؤلاء القادة في المنظمات والمنتديات السياسية الدولية، ما يهدد بمزيد من العُزلة للشأن السوداني ويترك الحرب مرشحة للاستمرار.
لكن الباحث زيدان يعتقد أن مثل هذه العقوبات “لن تؤثر كثيراً على السودان على المستوى الدولي، خصوصاً مع قدوم إدارة دونالد ترامب المعهود عنها “خرق التقاليد” الراسخة في السياسة الدولية.
ويرى مراقبون أنه حتى قبل صدور العقوبات الأمريكية، لم يكن طرفا الصراع في السودان يُبديان اهتماماً بالتوصل لاتفاق سلام.
ورفض قادة الجيش النظامي حضور محادثات للسلام برعاية أمريكية في جنيف في أغسطس/آب الماضي، على أمل استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم وإجبار الدعم السريع على الخضوع لسلطة الجيش، بحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة مقرها في بروكسل.
ويرفض البرهان وجود ممثلين عن دولة الإمارات في عملية السلام. وتتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بإشعال الحرب في السودان وبتقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.
وبالعودة إلى العقوبات الأمريكية، يرى الباحث ياسر زيدان أنها “لا تُسمن ولا تغني من جوع” ما لم تطرُق واشنطن باب الإمارات والدول الإقليمية الأخرى التي تدعم طرفَي الصراع في السودان، وفق تعبيره.
ولا تضطلع الولايات المتحدة بدور أساسي في السودان، لأنها كانت قد ابتعدت عن الانخراط في هذا البلد على مدى عقود بسبب العقوبات، ولم تعُد إلى التعامل بشكل مباشر مع الحكومات السودانية سوى مؤخراً، بحسب خلود خير مديرة “كونفلوينس أدفايزري”.
تقول مجموعة الأزمات الدولية “إنه يتعين على الأطراف الخارجية أن تواصل السعي من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، “وإلا فالبديل جهنميّ”؛ فبدون تدخُّل خارجي، ستستمر الحرب في السودان، وتتوسع في أرجاء البلاد، وربما تجد طريقها قريبا للتوسع خارج الحدود، وحينئذ لن يكون أحد رابحاً، فيما سيخسر كثيرون”.
وكالات