مَنْ أَحَقُّ بِالنَّصْر؟
الحمد لله الذي أوضح سبيل الهدى، وهدى إلى الصراط المستقيم، ونصّب عليه في كل شيء دليلا، وبيّن منهج الحق، ووعد عليه وعد الصدق لمن سلكه واستطاع إليه سبيلا، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، و خاتم النبيين، وعلى آله و صحبه وحزبه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، و مابدّلوا تبديلا.
نسأل الله أن يلحقنا بهم ويلزمنا سننهم، وبعد:
أيها المجاهدون الأبطال في كل ساحات الوغى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إليكم منا محبة الإسلام الخالدة، النابعة من حنايا النفس الثائرة، وسويداء القلب المحترقة من ألم ولوعة فراق الأحبة من أمثالكم.
يا من آثرتم الفيافي والصحاري والقفار، تحملون بين جنباتكم حرارة العقيدة والعاطفة الجياشة، لنصرة هذا الدين، وتخليص المظلومين من قهر الظالمين، الطغاة الجفاة القساة، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمّة.
إن القلم يا إخوة الإسلام ليعجز عن الإفصاح والبيان عن مكنونات النفس نحوكم، محبةً في الله وصفاء أخوة في الله، وعن انتصاراتكم الباهرة، راجين من الله تعالى وداعين إياه من أعماق القلب، أن يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يسدد ضرباتكم ويكسر على أيديكم شوكة الكفار والمرتدين، الذين أضّروا بالأمة سنوات طويلة.
كما نتضرع إليه سبحانه أن يجعلكم بحسن أخلاقكم، وصدق أعمالكم، وصلابة عقيدتكم، وشدة مراسكم للعدو، ونظافة جهادكم المظفر، قدوة صالحة لكل الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي وأسوة تحتذى للشعوب الإسلامية التي بدأ يسري فيها وهج الجهاد وتشّع أنواره على ساحاتكم.
معشر الإخوة الأحبة، يا من بمثلكم تحيى الشعوب، اعلموا -رحمكم الله- أنكم أمل هذه الأمة بصفة عامة، والشعوب التي تذودون عن حماها في ساحاتكم بصفة خاصة.
أيها الإخوة الأحبة:
مما لا يخفى عليكم: أن المجاهدين إذا كانوا حقيقة مؤمنين، مستقيمين على الطريق كما كان أسلافهم في عهودهم الأولى، دينا وخلقا، وعدلا وإحسانا، ونظاما وحكما، وقوة وأهلية للحياة المثلى، يؤمنون بالله ويتوكلون عليه ويستجيبون له ويتبعون سننه في الكون وما شرع لهم من الدين، فإنهم حتما سيشيعون في أمتهم الخير والصلاح؛ والمعروف، يتعاونون معهم على البر والتقوى، ويتنكرون للإثم والعدوان، ويتحالفون معهم على حرب أهله.. كما لا يخفى عليكم أيضا، أن الله سبحانه وتعالى قد وصف هؤلاء المجاهدين في كل زمان ومكان، بأنهم أمة مثالية في آيات كثيرة من كتابه، وأعلن رضاه عنهم، وضمن لهم النصر والتمكين في الأرض.
ومن أجمع الآيات القرآنية في هذا الموضوع ما جاء في قوله تعالى من سورة الشورى: قال تعالى: “فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ”. فمن تمّعن جيدا في هذه الآيات البيّنات وتدبرها، تبيّن له وبكل وضوح أنها اشتملت على أكمل صفات المسلم المجاهد المثالي الفاضل، الذي تتكون منه خير الأمم وأفضل الشعوب وأقوى الدول وأحسنها وأسعد الناس وأزكاهم في دينهم ودنياهم. (وهذه الصفات ليست نرجسية متوهمة أو طُهرية مصطنعة كما يصفها البعض)، بل هي الحقيقة في كتاب ربنا، وواقع سلفنا، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، إيمان بالله متين تطمئن به القلوب وتزكى به النفوس وتسموا به الأخلاق، ودين قويم واتكال على الله مع السعي والجهد، وبُعدٌ عن الانحراف في الماديات الصرفة والتهالك على متاع الحياة الدنيا واجتناب الكبائر والإثم والفواحش، وحلم عند الغضب يعصم من الندم، واستجابة لله وللرسول إذا دعاهم لما يُحييهم بطاعة مثالية في العسر واليُسر والمنشط والمكره مما يضمن لهم النظام، وتشاور بينهم في أمورهم مما يضمن لهم حسن التدبير في السياسة والحكم ويعصمهم من الخطأ والتعرّض لذهاب ريحهم وزوال كيانهم وهلاك أمتهم، وإقامة للدين بقيامهم بأركانه المُصلحة لمجتمعهم ولأبدانهم وأرواحهم المزكية لنفوسهم كالصلاة والزكاة والإنفاق من طيب كسبهم مما رزقهم الله، وعدل ورحمة واعتدال في سيرتهم وأحكامهم لا يظلمون ولا يُظلمون وإذا أصابهم البغي ينتصرون، يجزون السيئة بسيئة مثلها ولا يسرفون، يعفون إذا قدروا ويغفرون لأن العفو أقرب للتقوى، وإنه لمن عزم الأمور.
بهذه الصفات جعلت الأمة المسلمة وسطا خير الأمم، أبرها وأطهرها وأزكاها، وكانت أمة الهداية والإصلاح المادي والروحي، أمة عدل ورحمة وإحسان، رئيسها منها يجب أن يكون أولها في الفضل وأمتنها في الدين وأكملها في الحق وأقواها على الإضطلاع بشؤونها الدينية والدنيوية في الرخاء والشدة في الحرب والسلم.
وبناءً على هذا المنطلق نقول: يتقاضانا واجب الإنصاف أمام البطولات الخارقة التي يسطّرها المجاهدون في غرب إفريقيا وشرقها في هذه الفترات الأخيرة من جهادهم.
إننا حينما نتتبع أخبارهم من يوم أن بدأوا يزحفون على عدوهم في كل مكان من أرض مالي وبوركينا والنيجر و الصومال وغيرها، الملتهبة على أعداء الله صحاريها، ونسمع أو نقرأ عن كل كمين أو معركة أو هجوم كاسح أو عملية إنغماسيةجريئة فإننا
نحاول أن نرخي للكلمات لتعبر وتعلل وتحلل، ولكن أنى لنا ذلك وعمر الجهاد هناك طويل وطويل،
وكل أيامه حُبلى بالمسّرات والمبشرات، زحف على زحف ونصر إثر نصر، ملاحم فريدة يعجز القلم واللسان عن الإحاطة بوصفها، فأي ملحمة نؤثر بالذكر ونخصها بالحديث؟.. هل نتحدث عن تلكم الكمائن التي ينصبها أبطالنا للمرتدين وأعوانهم المرتزقة؟.. أم نتحدث عن تلك الهجومات الكاسحة التي تزلزل مواقع الأعداء وقلاعهم وحصونهم وتمزّقهم شرّ ممزق وتوقعهم في الإضطراب وتنشر فيهم الرعب والفزع والهلع، يعيشون بين الموت والحياة.
لقد غدا المجاهدون في غرب إفريقيا وشرقها يشنفون آذان الدنيا بألحان البطولة، وأظهروا للعالم أجمع تفوقا مدهشا في ميدان حرب العصابات، ومقدرة خارقة في المواجهة، وأساليب الحرب الحديثة.
إن الملاحم التي خاضها المجاهدون في مالي ضد مرتزقة فاغنر، وقبلهم عسكر فرنسا ستبقى على مرّ الدهور تؤكد تلك الحقيقة العسكرية التي تقول: أن قيمة السلاح تقدر بقيمة الجندي الذي يحمله، وأن صاحب الأرض هو الأحق بالغلبة والظهور.
وقد يقول قائل: وما سرّ هذه البطولات التي حققت هذه المعجزات وجعلت من القلة كثرة ومن الضعف قوة؟.. فنقول: سرّها عند أصحابها يعرفه المجاهدون وحدهم، وسيظل كامنًا في رسوخ العقيدة وقوة الإيمان بالله وعدالة قضيتهم،
وتفصيل هذا الجواب كالتالي:
إن أيام الإحتلال البغيض المظلمة إبتداءً من فرنسا ثم وكلائها مرورا إلى مرتزقة فاغنر، التي عاشتها الأمة المسلمة في مالي وما جاورها، وقاست فيها ألوانا من الظلم وضروبا من الشقاء طهرتُها، وجعلت منها أمة تتصف بأخلاق كريمة وسلوك قويم، وتمسك بالمبادئ والقيم التي ورثتها عن أجدادها المرابطين الملثمين الشبيهين بالشعب الأفغاني الأسطوري.
ولقد ظلت هذه الأخلاق فيهم كامنة تنتظر الفرصة وتتحيّن المناسبة حتى قام فيهم سوقُ الجهاد ضد المرتدين، ثم ساق الله تعالى لهم عدوهم الفرنسي مرة أخرى فانبرى له هؤلاء المجاهدون فكانوا تلك المرآة التي تعكس تلك القيم والأخلاق والصورة الصادقة التي تنطق بأصالة هذا الشعب وتاريخه المجيد.
بل لقد ارتفع الستار عن تلك القيم والأخلاق والفضائل التي تحلّى بها المجاهدون عامة في غرب إفريقيا وشرقها وأفغانستان واليمن وقطاع غزة، فانكشفت على حقيقتها قوية ناصعة انبهر لها العالم واندهش لها الجميع ونالت الإشادة والإعجاب في كل مكان.. ولا أدّل على ذلك تلك الطمأنينة والسلام التي نالها كل أسير أو أسيرة لدى المجاهدين هنا وهناك، حيث فوجئوا بالمعاملة الإنسانية المثالية التي عوملوا بها، وصرحوا للصحافة بعد إطلاق سراحهم أنهم وجدوا من الرجولة والشهامة والعفّة والكرم ومكارم الأخلاق ما لم يخطر لهم على بال.
إن من عادة هؤلاء المجاهدين في حروبهم نصب الكمائن وشنّ الغارات وتنظيم الهجومات على مراكز العدو ومعاقله يبرهنون في كل ذلك عن بطولتهم ورجولتهم، ويواجهون العدو بثبات نادر ويعملون جهدهم بكل ما في الإمكان، على أن يجنبوا المدنيين العزل من كلا الجانبين آفات الحرب وشرّها.. قانونهم الحربي مستمد من وصية أبي بكر -رضي الله عنه- عندما سيّر جيش المسلمين بقيادة أسامة بن زيد -رضي الله عنه- وزوّده بهذه الوصية: [يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني:
لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا إمرأة، ولا تقطعوا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا للطعام، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيئ فاذكروا اسم الله عليها.].. هذه أخلاق الإسلام وحملته، وبها استطاع أن ينتشر في مختلف أنحاء العالم، ولما عرفت هذه الأخلاق عن المسلمين وسمعت بها شعوب الأعداء أضحت تغزوا قلوبهم وأبدانهم قبل أن تصلهم جيوش المسلمين، حتى أن جيش أبي عبيدة -رضي الله عنه- لما بلغ وادي الأردن وعسكر فيه، كتب الأهالي النصارى في هذه البلاد إلى العرب، يقولون: [يامعشر المسلمين: أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا، وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا، وعلى منازلنا].. [وأغلق أهل حمص أبواب مدينتهم دون جيش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الروم وتعسفهم].. نعم هذه هي أخلاق الجيش الإسلامي، وعلى هذا الطريق يسير المجاهدون اليوم بحمد الله وفضله.
ومن الذي ينسى تلك الرسائل الخالدة التي أرسلها ويرسلها المجاهدون في غزّة إلى القيادة اليهودية والأمريكية، وإلى كل متجبر على هذه الأرض مع كل أسير يطلقون سراحه.. تلك الرسائل التي تحمل في طياتها حقيقة عقيدة هؤلاء المجاهدين وتمسكهم بمبادئ الإسلام في الحروب وترفعهم عن الدنايا، قائلين للأعداء: ليكن في علمكم أننا مسلمون، وأننا نؤمن بالله لا إله غيره، وبأن الإسلام هو الذي علمنا مبادئ الرحمة والإحسان، وإننا نبعث إليكم مع كل أسير هذه الرسائل، وفيها نطلب منكم أن تحترموا التعاليم الأخلاقية التي يعمل بها الجنود في كل أنحاء العالم.
ولا أدل على إنسانية هؤلاء المجاهدين ومعاملتهم الحسنى للأسرى شهادات الأسرى أنفسهم،
فكل من يطلق سراحه منهم يشيد بالمجاهدين، ويعود إلى أهله بذكريات وعواطف تملك عليه مشاعره وأحاسيسه، وتجعله يعيش مدينا لفضل هؤلاء المجاهدين الإنسانيين العظماء.
أما جنود الأعداء فإنهم على العكس من ذلك تماما يحاربون الضعفاء، ويظهرون شجاعتهم في القرى الآمنة العزلاء أمام النساء والشيوخ والأطفال فيرتكبون الفواحش ويمارسون جرائم الأخلاق ويعبثون بالإنسانية البريئة، لاسيما إذا انهزموا في كل معركة أو وقعوا في كمين فعندئذ ينتقمون لخسائرهم بارتكاب أفظع ما يمكن من الجرائم والموبقات.. وقد صوّر الشاعر العربي هذا الطبع الدنيئ، وهذا الوضع المخزي الذي عرف به الجيش الفرنسي:
احترق أيها الحقود الأعمى … وانفجر في الدروب كيدا وطعنا
وتعلل لدى هزائمك النكراء … بصيد الضعاف والعزل منا
قد عرفنا الإقدام منك على الأطفال … والعاجزين ذلا وجبنا
ورأيناك في الجبال وفي الميدان… عبدا لمن يلاقيك قنا
فادخر هذه المخازي تمثالا … من العار في بلادك قنا
يقول الكاتب الفرنسي المتصّهين (كيون) في كتابه (باثولوجيا الإسلام): [إن الديانة المحمدية جذام نشأ بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا، بل هي مرض مريع وشلل عام، وجنون ذهولي، يبعث الإنسان على الكسل والخمول.
والمسلمون وحوش ضارية وحيوانات مفترسة كالفهد والضبع، والواجب إبادة خمسهم، والحكم على الباقي بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة ووضع ضريح محمد في متحف اللوفر].
ويؤيده مواطنه اليهودي الوزير(هانوتو)، الذي لا يمانع مبدئيا في هذا الحل إلا أنه يتوقع المخاطر المتوقعة من تنفيذه إذ يقول: [هذا حل بسيط وفيه مصلحة للجنس البشري، أليس كذلك؟ إلا أنه قد يهب هؤلاء المجانين للدفاع عن أنفسهم والذود عن بيضة دينهم].
ويروي المؤرخ المجاهد الجزائري الحاج مصطفى بن باحمد -رحمه الله-: أنه ذهب إلى مقابلة الجنرال (دوغول) عام 1956م، مبعوثا من جبهة التحرير الوطني ليوضح له مايرتكبه الجيش الفرنسي من فظائع
فأنصت له دوغول جيدا، فلما انتهى من بيانه رفع دوغول رأسه، وقال له: [ليس لكم الحق في الشكوى من أعمال الجيش، فقد كلف بإخماد الثورة ولابد أن يرتكب في سبيل الوصول إلى غايته ما تشكون منه، ومع ذلك فإني أؤكد لكم بأنكم ستنالون الإستقلال لأنكم قبلتم أن تموتوا من أجله، وكل أمة تستقل إذا قبلت الموت، وأنتم قد قبلتم ذلك فلابد أن تستقلوا، لا أقول لكم أن ذلك قريب أو بعيد، ولكنه آت لا ريب فيه].
إذا فمحو الإسلام كدين والقضاء على دوله وإبادة أهله والتنكيل بهم ليس فكرة شعبية عند الغرب الصليبي فحسب، وإنما كان فكرة في أذهان المؤلفين من الكتاب والعلماء والمفكرين، وخطة عند الوزراء والسياسيين، وغاية للدول والقادة المسيّرين قديما وحديثا.
وسينصت السّاسة والقادة الأعداء اليوم جيدا لمن يتوددون لهم ويتوسلون لإيقاف الفضائع التي ترتكب في حق أهلنا في غزة، نعم سينصت لهم جيدا ترمب والنتن ياهو وماكرون و… ولن يكون جوابهم إلا كجواب سيدهم وكبيرهم دوغول، وهم على خطى أسلافهم ماضون.
إن الجندي الروسي أو الأمريكي أو الفرنسي أو اليهودي قد تخصّص في الإجرام وورثه عن أسلافه حتى أصبح طبعه الخلقي الذي يعسر عليه الإنفلات منه.
وعلى النقيض من ذلك، كم من صحافي غربيوأو أسير عاش مع المجاهدين مدة فبهرته أخلاقهم وفضائلهم، وأدهشه احترامهم لقوانين الحرب بكل دقة وصرامة، وكتب عن ذلك مشيدا ومثنيا.
بل ولا أقل من ذلك تلك الرجولة والشهامة اللتين زوده بهما دينه وتربيته فكانتا في طليعة المزايا الشخصية الكثيرة التي رفعت الجهاد إلى أعلى مكانة في تاريخه المعاصر، وتتجلى صورتهما وبكل وضوح عندما تأخذ طابع الصرامة والتحدي في كثير من الأحيان، وذلك عندما تنتهك حرمة مسلم أو مسلمة، أو تداس كرامتهما أو ينهش عرضهما فعندئذ تغلي الدماء في عروق أهل الرجولة والشهامة، وتطفوا على السطح قوة العقيدة والإيمان والبطولة والتضحية فتنطلق الكتائب كأنها نار جهنم للثأر والإنتقام، وتقتحم الموت ولا تبالي، وتروى الأرض بالدمع الوضيع، ويجثت الجراد القذر، الذي لم يكتف بسلب الحرية فسلب الشرف، ولم يكتف بالقتل والقمع والتشريد والنهب والتجويع، فتدفق في الفجور وتوغل في الإجرام.
وهكذا يتجلى الفرق بين المجاهدين، الذين يُقال عنهم مجموعات إرهابية متوحشة خارجة عن القانون، وبين الجنود الروس أو الأمريكان أو اليهود الذين تخرّجوا من معاهد وكليات، وجاءوا إلى أرض الإسلام ليحرروها وليقضوا على الإرهابيينوالوحشية!!!
ذلك هو المجاهد في بطولته وعفّته وشهامته وإنسانيته، وذلك هو العدو في جُبنه ولؤمه وسفالته وقساوته، فقد انتصر الأول وحقّ له أن ينتصر، وانهزم الثاني وطبيعي أن ينهزم.
والعبرة التي نستخلصها من كل ماذكرناه أن المجاهدين لم ينتصروا على عدوهم إلا بمزايا وخصائص هي من صميم دينهم وعقيدتهم الإسلامية كما جاء في الآيات السابقة، تحلّوا واتصفوا بها، ولم تكن عند عدوهم، وهذه حقيقة لا يشك فيها إلا من يشك في البديهيات الأولية.
وإننا نود في هذا المقام أن نرسل رسالة إلى كل مسلم صدمته الوحشية الصهيونية، وماترتكبه في حق أهلنا في فلسطين من جرائم وشناعات، ومحاولة تهجيرهم، فنقول: ستأتي الحرية لأهلنا في غزة.
نعم ستأتي الحرية لشعب عرف كيف يموت، شعب هجر النوم اللذيذ وأُنس الحبيب، وحياة الأمن إلى التعب، والهنى إلى الجوع والعطش ،أبى أن يبقى ظهره مقوسا ورأسه مطأطأة وأرجله مصفدة، صمد أمام آلة القمع الصهيونية، ولقنته دروسا قاسية في الشجاعة والتضحية، لم يتوفر له العتاد والعدة ولا الطعام ولا اللباس ولا الظروف الحربية الملائمة مايمكنه من مواجهة آلة الحرب الصهيونية ساعةً واحدة، فكيف بحلف مهول تقوده أمريكا طوال هذه الأشهر المديدة؟!.
إنه الإيمان القوي والعزيمة الصادقة والإصرار على نيل الحقوق مع علمه أنها صعبة المنال في خضم خذلان القريب والبعيد.
ومع كل هذا يواصل صموده وفي أعماقه إيمان يفجر العزم ويجدد الهمّة ويعطي القوة ويضاعف الإصرار ويهتف للشهادة فيرتقي الإبن فيودعه الأب، وترتقي الأم فيودعها الطفل، هذا مودع وآخر مبشّر، طريق يسلكها الجميع بالقصف والجوع تحت مسمى الإبادة الجماعية إلى جنّة عرضها السموات والأرض بإذن الله.
أيها الأخ المسلم: إن فلسطين لم تخلص لليهود القدامى في يوم من الأيام، ولن تخلص لليهود الصهيونيين اليوم بإذن الله، فهي ملك للعرب عبر التاريخ وستبقى كذلك.
وأما ما أتى عليها من استعمار الإسكندر والرومان فلم يغيّر أنها عربية.
وأتى لها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فأخرج منها الغزّاة وأصبحت خالصا لأبنائها العرب المسلمين، واستمرت كذلك حتى الانتداب البريطاني الذي لم يجرؤ أن يقول أنها يهودية، وحتى صكُّ بلفور ووعده الخائن لم يقلّ بغير ذلك وجاء فيه: [المحافظة على حقوق أهل فلسطين الموجودين بها مع وجود وطن قومي لليهود.].. هذه هي حقيقة أمرهم في هذه الأرض المباركة، فهم قوم تابعون ومنبوذون يشتغلون بالجاسوسية لأقوى أمة، حتى تهيئ لهم مكانا بينها، ففعلوا ذلك مع فرنسا أيام نابليون، ومع ألمانيا مع غليوم، وفعلوا ذلك مع بريطانيا ومندوبيها الذين كانوا خدما للصهيونية العالمية.
ويفعلون ذلك اليوم مع أمريكا، وهم يصرخون كل يوم طالبين العون والمساعدة منها.
فهم قوم تابعون وسيعيشون طول عمرهم عالة على غيرهم وعلى العالم، حتى يأتي أمر الله بزوالهم، وهذا اليوم نراه قريبا بإذن الله، وإن زوال هؤلاء لن يكون إلا بقطع حبل من يمكّن لها في فلسطين وفي المنطقة برمتها.
إنهم الأمريكان شريان حياة اليهود وسرّ بقاءهم بين أظهر العرب والمسلمين.
والمسلمون اليوم، وفي كل مكان مطالبون بأن يلتفتوا إلى جملة قالها العلامة البشير الإبراهيمي -رحمه الله-، والتي لخصت حقيقة موقع فلسطين عند المسلمين، فقال:
“إن فلسطين وديعة محمد -ﷺ- عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة إنّا إذاً لخاسرون”.
فقد أشار -رحمه الله- إلى العصبة وهي عنوان القوة، والقوة هي الجهاد، فلن ترجع فلسطين إلا بالجهاد، وعنوان هذا الجهاد قطع حبل أمريكا الذي يربطها باليهود، والذي قطعه يؤدي تلقائيا إلى قطع دابر اليهود، كما كان يوصي قادتنا العظماء -رحمهم الله تعالى- وبذلوا أرواحهم من أجل ذلك.
وكأني بالإبراهيمي يحثّ الأمة المجاهدة على العمل بوصايا هؤلاء القادة واقتفاء أثرهم وإبراء قسمهم حينما، يقول: [يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله، وتبقى معانيهم الحيّة في الأرض قوة تحرك ورابطة تجمع ونورا يهدي وعطرا ينعش، وهذا هو معنى العظمة، وهذا هو معنى كون العظمة خلودا، فإن كل مايخلف العظماء من ميراث هو أعمال يحتذيها من بعدهم، وأفكار يهتدون بها في الحياة، وآثار مشهودة ينتفعون بها، وأمجاد يعتزون بها ويفخرون، والإعتزاز والفخر من الأغذية الروحية الحافظة لبقاء الجماعات].انتهى.. وإننا يا أقصى قادمون.. و الحمد لله رب العالمين.
كتبه أخوكم أبو ياسر الجزائري