مسيرات من الإمارات والصين تعيد قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد مغادرتها الخرطوم

حاول الجنرال عبد الفتاح البرهان أظهر التحلي بالشجاعة في مواجهة القصف الصادم على بورتسودان هذا الشهر، متعهداً بهزيمة قوات الدعم السريع التي يحملها المسؤولية “وجميع من يدعمهم” بحسب فايننشال تايمز البريطانية.

وقال البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية والحاكم الفعلي للبلاد، مكرراً مثلًا لأحد القادة العرب في القرن السابع بينما كانت النيران تلتهم مستودع وقود خلفه: “لا نامت أعين الجبناء”.

ربما طمأن تحديه هذا السكان في عاصمة السودان في زمن الحرب، والتي تضم عشرات الآلاف من الفارين من مناطق أخرى في البلاد، وفقاً لأحد السكان.

لكن الواقع، وفقاً لمصدر مقرب من إدارة البرهان، هو أن الجيش فوجئ بالهجوم، فقد تعرضت المدينة خلال أيام متتالية لهجمات بطائرات مسيرة انتحارية وطائرات بدون طيار عسكرية، مما قلب ديناميكية الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت لعامين.

لقد اثبتت قوات الدعم السريع قدرتها على الرد من السماء بعد أن فقدت أراضٍ لصالح الجيش خلال الأشهر الأولى من العام في مناطق واسعة من وسط السودان، وتخلت عن العاصمة الخرطوم في أواخر مارس.  بحسب الصحيفة.

وتم تحديد هوية الطائرات المسيرة، التي يعتقد أنها جاءت من الصين والإمارات العربية المتحدة، من قبل محللين دفاعيين من بقايا المعارك وصور الأقمار الصناعية، مما جعل أماكن كانت تعتبر آمنة مثل بورتسودان، على ساحل البحر الأحمر شرق البلاد وعلى بعد أكثر من 1200 كيلومتر من أي قاعدة معروفة لقوات الدعم السريع، ضمن نطاق الميليشيا.

انخرطت قوات الدعم السريع في صراع على السلطة مع الجيش منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023 تحت قيادة نائب البرهان السابق، الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.

ويقول كاميرون هدسون، الزميل الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن وخبير في الشأن السوداني: “كلما اعتقدت أن الجيش بدأ يقلب الموازين وأن قوات الدعم السريع في موقف ضعيف، تجدهم والإمارات (المشتبه بدعمهم) يضاعفون الهجمات”، وأضاف: “يتم طردهم من الخرطوم، لكنهم الآن فتحوا المجال للبلاد بأكملها”.

وألقت الهجمات بالطائرات المسيرة الضوء على الدور الذي يلعبه الفاعلون الخارجيون والأسلحة الأجنبية في تأجيج الصراع، الذي تشير التقديرات إلى أنه أسفر عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص وتشريد أكثر من 12 مليوناً، مع ارتكاب كلا الجانبين فظائع.

وتمتعت القوات المسلحة السودانية بتفوق جوي في بداية النزاع بفضل سلاحها الجوي، وبعد أن استخدمت منذ فترة طويلة طائرات استطلاع إيرانية كدعم مدفعي، بدت وكأنها تفوقت على قوات الدعم السريع في نشر الطائرات بدون طيار. بحسب الصحيفة.

 

الصورة

 

وتسلمت القوات المسلحة السودانية اعتباراً من يونيو 2024، نفس الطائرات المسيرة التركية “بيرقدار TB2” التي منحت القوات الإثيوبية ميزة في حربها الأهلية الأخيرة، وفقاً لويم زويننبورغ، رئيس مشروع نزع السلاح الإنساني في منظمة “باكس” الهولندية للسلام وخبير في الطائرات المسيرة.

وساهم نشر الطائرات التركية والإيرانية — بما في ذلك طائرات “مهاجر-6” القادرة على حمل قنابل موجهة — خلال المعارك التي سبقت السيطرة على الخرطوم في قلب موازين الحرب لصالح الجيش، وفقاً للمحللين.

وكثفت قوات الدعم السريع أيضاً من استخدام الطائرات المسيرة، مستهدفة في الأشهر الأخيرة البنية التحتية العسكرية والمدنية في عمق الأراضي التي يسيطر عليها الجيش، بما في ذلك سد مروي الكهرومائي على نهر النيل.

وأدى قصف محطة كهرباء يوم الأربعاء إلى إغراق الخرطوم والولاية المحيطة في الظلام.

ويبدو أن هجمات الطائرات المسيرة على بورتسودان جاءت كرد على غارة جوية للجيش السوداني في الثاني من مايو على مطار نيالا في غرب دارفور. بحسب الصحيفة.

 

وأظهرت صور الأقمار الصناعية في نيالا، والتي حللها مختبر أبحاث الشؤون الإنسانية بجامعة “ييل” أن قوات الدعم السريع، التي نشأت من مليشيات “الجنجويد” التي عاثت فساداً في دارفور في بداية القرن، كانت تعمل على بناء قدراتها بالطائرات المسيرة. ويشمل ذلك 12 طائرة صينية الصنع أو أكثر من نوع “Ch-95” و”FH-95”، القادرة على حمل صواريخ موجهة.

 

ودمرت غارة الجيش السوداني طائرة شحن كانت تنقل المزيد من الأسلحة إلى قوات الدعم السريع في نيالا وقتلت مستشارين تقنيين أجانب، وفقاً لمصدر مقرب من السلطات في بورتسودان وعدة أشخاص يراقبون الحرب.

وأظهرت الضربات الدقيقة اللاحقة على بورتسودان إما أن قوات الدعم السريع قد اكتسبت بسرعة مهارات تشغيل الطائرات المسيرة المتقدمة، أو أن أطرافاً أجنبية كانت تساعد في تنفيذ الهجمات، وفقاً للمحللين الدفاعيين.

وبالنظر إلى المدى الطويل للرحلات الجوية التي تتجاوز نطاق التحكم اللاسلكي، فقد تطلبت تلك العمليات توجيهاً عبر الأقمار الصناعية.

وقال خبير غربي في تكنولوجيا الطائرات المسيرة، طلب عدم الكشف عن هويته: “لابد أنهم تلقوا مساعدة أجنبية في تشغيل هذه الأجهزة”.

وقد ألقت حكومة البرهان باللوم على الإمارات في تقديم هذا الدعم وتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو ما تنفيه أبوظبي، ولكن بعد أشهر من تبادل الاتهامات وظهور المزيد من الأدلة التي تشير إلى تورط الإمارات، قطع البرهان الأسبوع الماضي العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي، واصفاً إياها بالدولة المعادية.

في المقابل، قالت الإمارات إنها لا تعترف بسلطة بورتسودان كـ”الحكومة الشرعية للسودان”.

ومن بين الأهداف التي استهدفت في بورتسودان قواعد عسكرية وبحرية، وفندق يرتاده ضيوف أجانب، والمطار المدني الوحيد العامل في البلاد ومستودعات الوقود، وتم قطع إمدادات الكهرباء عن معظم أنحاء المدينة. بحسب الصحيفة.

 

وقال المصدر المقرب من السلطات: “كان هذا جرس إنذار للقادة هنا، لأنه بعد أن سيطروا على الخرطوم… انشغل الجميع بتقسيم الكعكة ونسوا الحرب”.

وأكدت هجمات الطائرات المسيرة على استمرار الميليشيات — التي اتهمتها الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية — في الحصول على أسلحة أجنبية في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة كما سلطت الضوء على ضعف الدفاعات الجوية للقوات المسلحة السودانية.

 

وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً الأسبوع الماضي أشارت فيه إلى أن أسلحة صينية، يُرجح أن الإمارات أعادت تصديرها، قد عُثر عليها في الخرطوم بعد هزيمة قوات الدعم السريع.

وتضمنت تحليلات المنظمة لصور من مواقع الهجمات، بما في ذلك بورتسودان، صواريخ موجهة صينية الصنع من طراز GB50A ومدافع هاوتزر AH-4 عيار 155 ملم.

ونفت الإمارات هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها “لا أساس لها من الصحة” و”غير مدعومة بالأدلة”، ولم ترد قوات الدعم السريع على طلب للتعليق.

ولا تزال مصادر الطائرات المسيرة التي استخدمتها قوات الدعم السريع في هجمات بورتسودان قيد التحقيق.

وقال زويننبورغ، خبير الطائرات المسيرة، إن طائرات مشابهة لنماذج صنعت في الإمارات وعُرضت في معارض الأسلحة في الخليج قد عُثر عليها في ساحة المعركة.

وأضاف أنه تتبع طائرات مسيرة بعيدة المدى صينية الصنع بأيدي قوات الدعم السريع، وقال إن صاروخاً موجهاً صينياً من طراز GB50 أو النسخة الأصغر GB25 قد استخدم لاستهداف الفندق في بورتسودان. بحسب الصحيفة.

 

وقال عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق الذي قاد الحكومة الانتقالية التي أطاح بها البرهان وحميدتي، إنه من اللافت أن قوات الدعم السريع تمكنت من الحصول على هذه التكنولوجيا المتقدمة، وأنها لم تكن لتفعل ذلك إلا بدعم خارجي قوي.

وقال حمدوك لصحيفة “فاينانشال تايمز”: “كانت القوات المسلحة السودانية تتمتع بتفوق جوي والآن تقلص ذلك كثيراً”، مضيفاً أنه “لم يعد هناك مكان في البلاد يمكن اعتباره آمناً — مما يزيد من ضرورة إيقاف هذه الفوضى”.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت منذ أشهر من حجم الكارثة الإنسانية في السودان والتهديد الوشيك بالمجاعة وقد تلاشى اي أمل بأن سقوط الخرطوم قد يكون مقدمة لتهدئة القتال تماماً.

 

وقال أحمد سليمان، خبير القرن الأفريقي في معهد “تشاتام هاوس”: “كان الجيش يشير إلى أن قوات الدعم السريع في لحظاتها الأخيرة”، وأضاف: “هذه هي قوات الدعم السريع ترد حرفياً بإطلاق النار”. بحسب الصحيفة.