انتكاسة مُبكِّرة: دلالات عملية “أوصوم” وتحوُّلاتها المحتملة في الصومال

حتَّمت تجليات النظام الدولي وتفاعلاته الصراعية التجاء الدول لعمليات حفظ السلام متعددة الأطراف والأبعاد؛ للعمل داخل النطاقات الصراعية والمتوترة والمتأزمة؛ باعتبارها إحدى المقاربات الناجعة لحفظ السلام والأمن والاستقرار، وتزايدت تلك العمليات حدّ تقديرها بنحو 63 عملية لدى 37 دولة في العالم عام 2023م، مُنفَّذة مِن قِبَل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والتحالفات المؤقتة.

وفي إفريقيا، تُعدّ عمليات وبعثات حفظ السلام سواء التي تقودها الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو المجموعات الإقليمية أو الشركاء الإقليميون سمة رئيسة لدول القارة. بحسب مقال نشرته مجلة قراءات إفريقية.

 

 وفي الآونة الأخيرة، يشهد المتابع للقارة الإفريقية تحولًا دراماتيكيًّا لعمليات حفظ السلام، يتمثل في ابتعاد الدول الإفريقية عن عمليات حفظ السلام الأممية، ونزوعهم إلى أفرقة عمليات وبعثات حفظ السلام تحت قيادة إفريقية. ويبدو ذلك التحول عند الإشارة إلى التضاؤل والتراجع المستمر لعمليات حفظ السلام التي باتت 5 عمليات فقط دون تدشين أو تفويض عملية جديدة، كما يتضح عند إحصاء وتقدير عمليات حفظ السلام بقيادة إفريقية، والتي قُدِّرت منذ 2002م بما يزيد عن 38 بعثة وعملية في 25 دولة إفريقية، شُكِّلت مِن قِبَل المجموعات الإقليمية والشركاء الإقليميين والاتحاد الإفريقي، وفي 1 يناير 2025م، كانت عملية “أوصوم” أحدث عمليات الاتحاد الإفريقي في الصومال. بحسب المقال.

 

بعثات متتابعة

المدقق لسياقات الصومال يتبين له أن عملية “أوصوم” لم تكن الأولى التي يُطلقها الاتحاد الإفريقي داخل الدولة الصومالية؛ فالاتحاد الإفريقي، إلى جانب بعثة “أونوصوم “(Unosom) التي أطلقتها الأمم المتحدة في 1992م وبعثة “IGADSOM” التي أنشأتها الهيئة الحكومية الدولية للتنمية في 2005م، أنشأ ثلاث بعثات متتابعة منذ 2007م؛ ففي يناير 2007م، أقرَّ إنشاء بعثة “أميصوم”، وأمر بإرسالها إلى الصومال لمواجهة حركة شباب المجاهدين، ودعم مؤسسات الحكومة الانتقالية ومساعدتها على خَلْق ظروف مواتية للاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية. وفي 2022م، استبدلها ببعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال -(African Union Transition Mission in Somalia)– على أمل أن تعمل الثانية على إضعاف حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة وفرع تنظيم “داعش” في الصومال وتوفير الأمن للمراكز الرئيسة للدولة وتطوير قدرات وإمكانات القوات الصومالية. بحسب المقال.

 

وفي 1 أغسطس 2024م، استبدلها ببعثة “الاتحاد الإفريقي لدعم الاستقرار في الصومال” –AUSSOM-؛ حيث أقرها مجلسه للسلم والأمن، وأذن بها مجلس الأمن الدولي في 27 ديسمبر 2024م في قراره رقم 2767 لفترة أولية مدتها 12 شهرًا، ودخلت حيِّز النفاذ في 1 يناير 2025م، على أمل أن تُركّز على أولويات الاستقرار والأمن وبناء الدولة، ونقل كامل المسؤوليات الأمنية إلى قوات الأمن الصومالية بحلول ديسمبر 2029م، وأن تنشر قوة لدعم قوات الأمن الصومالية في جهودها للقضاء على حركة الشباب والجماعات التابعة لها المرتبطة بتنظيم داعش. بحسب المقال.

 

عقبات حائلة

ولم تكد بعثة “أوصوم” تشرع في تنفيذ مهمتها، حتى تكشفت لها إشكالات وتهديدات مستمرة وعقبات حائلة، وقد استدعت تلك التطورات والعقبات إجراء محادثات رفيعة المستوى في أوغندا من 22 حتى 25 أبريل 2025م لإجراء مناقشات رفيعة المستوى حول الأمن الإقليمي والتعاون السياسي بشأن الصومال، وإستراتيجيات ​إدارة الحدود الإقليمية، ودعم العمليات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة ومكافحة الإرهاب؛ شاركت فيها الدول المساهمة بقوات، (وهي كينيا وإثيوبيا وجيبوتي ومصر وأوغندا)، إضافةً إلى كبار المسؤولين من الشركاء الدوليين الرئيسيين، بما في ذلك (الاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة). بحسب المقال.

 

وبمتابعة تطورات البعثة ومستجداتها، وبالنظر إلى حيثيات محادثات كمبالا وتصريحاتها، يمكن القول: إن بعثة “أوصوم” تُواجه كغيرها إشكالات وعقبات ضاغطة، تَحُول دون استمرار أداء بعثات حفظ السلام لا سيما الإفريقية، وتُنذر بانتكاسة مُبكّرة للبعثة حال عدم التغلُّب عليها ومواجهتها.

و بحسب المقال يمكن تقدير تلك التحديات كما يلي:

 

1- تمويل متعثر

يبدو أن بعثة “أوصوم” ورثت تركات خليفتها “أتميس” وتحدياتها التمويلية؛ فهي بدأت بدون هيكل تمويل واضح ومستدام ومحدد، ويمثل نقص التمويل لها إشكالًا عضالًا؛ إذ إن عملياتها تحتاج إلى ما يُقدَّر بنحو 190 مليون دولار من يناير إلى يونيو فقط؛ وفق تصريح رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في 24 أبريل 2025م.

 

ولا يخفى أن إشكالات التمويل كشفت عنها العديد من التصريحات والتحذيرات المتتالية، ولعل أبرزها ما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” إلى مجلس الأمن في 10 أبريل؛ حيث ذكر أنه بدون دعم مالي منهجي، يمكن أن تتعرَّض قدرة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي على العمل بفعالية للخطر، وأيضًا ما ورد في تصريح رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الأمن في الصومال السفير “سيفويل ثانديكايا بام” في 15 أبريل؛ حيث قال: “إن الوضع المالي لبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال خطير للغاية، ويُهدِّد وجود البعثة ذاته،… التأثير المدمّر لعدم دَفْع الرواتب لمدة تتراوح بين 7 و9 أشهر، أدّى إلى حالة اكتئاب شديدة بين الموظفين المدنيين والعسكريين المشاركين في المهمة، وتصريح رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “محمود علي يوسف” خلال قمة في عنتيبي بأوغندا في 25 أبريل الماضي؛ حيث قال: “لا تزال هناك موانع لتطبيق القرار 2719 بشأن الصومال. سيتطلب الأمر جهدًا جماعيًّا لحشد موارد مالية تصل إلى 190 مليون دولار لمرحلتي برنامجي ATMIS-AUSSOM خلال عام 2025م.

 

2- قوام غير مكتمل

نص قرار إنشاء البعثة على تشكيل قوة عسكرية وشرطية ومدنية بقوام 11900 جندي، يبدأ نشرها في يناير 2025م، إلا أن ذلك النص لاقَى إشكالات خلافية حالت دون تنفيذه، وهي إشكالات درات حول الدول المساهمة بقوات وحجم وأعداد تلك القوات؛ فقد أدَّى تضارب موقف الحكومة الصومالية حول مشاركة أو عدم مشاركة القوات الإثيوبية في البعثة إلى تأخير الاتفاق حول شكل وهيكل قوام البعثة حتى فبراير 2025م؛ حيث أعلنت الحكومة الصومالية توصُّلها إلى اتفاق مع الاتحاد الإفريقي حول قوام البعثة المقدر بنحو 11.900 جندي موزعين بنحو 4500 و2500 و1520 و1410 و1091 جنديًّا من أوغندا وإثيوبي وجيبوتي وكينيا ومصر على التوالي.

 

وإضافة إلى ذلك، أثار تخصيص القوات وتوزيع أعدادها رفض واعتراض بوروندي على الأعداد المخصصة لها؛ حيث كانت بوروندي ترغب في تخصيص نحو 2000 جندي على الأقل من قواتها لضمان سلامة عملياتها بدلًا من 1000 جندي المخصصين مِن قِبَل الحكومة الصومالية، وهو ما دفَعها إلى الإعلان قبل بدء البعثة في ديسمبر 2024م أن قواتها لن تشارك في عملية حفظ السلام المقرر إطلاقها.

 

ولا شك أن ذلك انعكس سلبًا على عملية “أوصوم”؛ حيث إن انسحاب بوروندي دون إيجاد بدائل لقواتها سيخلق مزيدًا من الفجوات، ويفاقم الوضع المتدهور، وسيحرم البعثة من حوالى خُمس قوتها البشرية، وهو ما أشار إليه رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “الدكتور ووركنيه جبيو” في 24 أبريل 2025م؛ حيث قال: “إن بعثة حفظ السلام تواجه تحديات تحتاج إلى معالجة عاجلة… تحدد هذه التوصيات أولويات حاسمة بما في ذلك الحاجة الملحة لزيادة قوة قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال، بما لا يقل عن 8000 فرد، ونشر قوات ثنائية إضافية.

 

3- إرهاب متصاعد

تثير الجماعات والتنظيمات المسلحة والإرهابية وعملياتها المتصاعدة في الصومال تهديدات وضغوطًا مستمرة من شأنها التأثير على أداء البعثة، ومدى قدرتها على تنفيذ مهمتها المرجوة، وتبدو تلك التهديدات واضحة عند الإشارة إلى قدرة “حركة الشباب” الصومالية على التمدُّد والسيطرة على المواقع الإستراتيجية في وسط وجنوب الصومال؛ فالإحصائيات الأخيرة، تشير إلى تمكُّن حركة شباب المجاهدين من السيطرة على بلدة “عدن يابال” وسط الصومال في 16 أبريل، وهي بلدة تحتل مكانة إستراتيجية للجيش الصومالي، وتمثل نقطة ارتكاز للقوات الحكومية، ناهيك عن الهجمات المستمرة والمتتالية، ولعل أبرزها ما وقع يوم 8 أبريل الماضي؛ حيث شنَّت هجومًا على جنود من بعثة “أميصوم” في قرية بوراني، مديرية مهداي بولاية هيرشابيل.

 

 وفي يوم 6 أبريل 2025م؛ أطلقت الحركة قذائف هاون بالقرب من المطار الدولي، واستهدفت معسكر حلني، الذي يضم مقرات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة والبعثات الأجنبية، وبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية المدعومة من الأمم المتحدة.

 

 

4- انقسام حكومي

ترصد سياقات الصومال خلافات وانقسامات متزايدة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية حول تقاسم السلطة والموارد والنفوذ وصلاحيات الحكم الذاتي؛ وهي أمور تُصوّرها التوترات القائمة بين الحكومة الفيدرالية وولاياتها الإقليمية، وتحديدًا بونتلاند وجوبالاند، فإلى جانب التوترات مع أرض الصومال التي تسعى إلى الانفصال والاستقلال التام، تصاعدت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولاية “بونتلاند” حول التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان الفيدرالي بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة والسماح للرئيس بتعيين رئيس للوزراء دون موافقة برلمانية؛ حيث اعتبرت ولاية “بونت لاند” أنها تركز السلطة في قبضة الحكومة المركزية، مما دفع الولاية الإقليمية إلى إعلان انسحابها في أبريل 2024م من النظام الاتحادي للصومال، وأنها ستتحرك بشكل مستقل لحين وجود حكومة اتحادية لها دستور متفق عليه في استفتاء عام، وهي خلافات لا تزال قائمة.

 

وإضافة لذلك، تصاعدت الخلافات بين ولاية “جوبا لاند” الإقليمية والحكومة الصومالية، وبلغت ذروتها في نوفمبر 2024م؛ حيث رفضت الحكومة الفيدرالية الانتخابات الجارية في جوبالاند، متهمةً قيادة الولاية بالتلاعب بالعملية للحفاظ على قبضتها على السلطة في يوم 23 نوفمبر.

 

وفي 26 نوفمبر، اتهمت وزارة الأمن الداخلي في إدارة جوبالاند الإقليمية “الحكومة الصومالية” بمحاولة تدمير النظام الفيدرالي، وإثارة القلاقل السياسية والأمنية في جوبالاند.

 

وفي 28 نوفمبر 2024م، أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، متهمةً إياه بالخيانة والتآمر مع حركة الشباب، وإشعال حرب أهلية وتقويض الوحدة الوطنية.

 

ولا شك أن تلك الخلافات تُشكّل عثرة أمام قدرة الصومال على بسط سيطرته الاتحادية على كامل أراضيه وتَحُول دون وصول الصومال إلى تطوير هيكل أمن وطني مُوحّد وقادر على مواجهة التمرُّد والحفاظ على الاستقرار مما يُصعّب من مهمة الاتحاد الإفريقي في حفظ السلام وإرساء الاستقرار.

 

5- ثقة متبددة

عكست علاقة الحكومة الصومالية برؤساء بعثات حفظ السلام حالة مستمرة من الاتهامات والتحفظات؛ وهي حالة لم ينجُ منها رئيس بعثة “أوصوم” الحالية؛ فعلى غرار طرد الحكومة الصومالية “فرانسيسكو ماديرا” – رئيس بعثة “أميصوم” في 2022م بتهمة التدخل في الشؤون السياسية الداخلية، لوَّحت الحكومة الصومالية في أبريل 2025م بطرد “سيفويل ثانديكايا بام” –رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم الأمن في الصومال-؛ حيث أصدر وزير الخارجية الصومالي، “أحمد معلم فقي”، بيانًا شديد اللهجة ضده متّهمًا إياه بالتعاطف مع حركة الشباب الإرهابية وتقديم تقارير مضللة إلى الهيئات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تُصوّر حركة الشباب، على أنها جماعة تسعى إلى إقامة دولة، والحد من الأضرار المدنية قائلًا: “لدينا قلق بالغ إزاء أنشطة “بام” المزعومة، هذا السلوك يُقوّض جهود الحكومة الصومالية لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الوطني”.

 

ولا شك أن تلك التصريحات تعكس حالة من الشك والريبة تجاه رئيس البعثة، وحال طرده كما تُلوّح الحكومة الصومالية، سيكون من شأنه تصعيد كبير في التوترات بين الصومال والاتحاد الإفريقي، وتقويض مهام بعثة ” أوصوم” لدعم الاستقرار في الصومال.

 

6-خلافات الشركاء حول التمويل الهجين

يُعدّ قرار مجلس الأمن في ديسمبر 2023 رقم 2719، بشأن ضرورة توفير تمويل مستدام وقابل للتنبؤ لعمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي؛ تطورًا نوعيًّا لعمليات حفظ السلام الإفريقية؛ لكونه يوفر إطارًا ماليًّا مستدامًا، ويعزز قدرة البعثات الإفريقية على التعامل مع النزاعات والتحديات الأمنية وبموجبه، كان من المتوقع أن تستفيد بعثة “أوصوم” من تغطية مساهمات الأمم المتحدة بنسبة 75% مقابل 25% من الاتحاد الإفريقي، إلا ذلك القرار تعثرت النقاشات حوله، وانقسم الشركاء الرئيسيون بشأنه؛ فبخلاف الشركاء الأفارقة الذين يؤيدون نموذج التمويل الهجين لعملية الاتحاد الإفريقي، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية القرار، وأعلنت معارضتها بوضوح باعتبار أن الصومال ليست ميدانًا مناسبًا لاختبار نموذج التمويل الهجين، وأن نموذج التمويل قد يؤدي إلى تغطية أموال الأمم المتحدة لأكثر من 90٪ من تكاليف قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي.

 

وبالتأكيد، يثير رفض الولايات المتحدة الأمريكية تحديًا حول تمويل عمليات البعثة، ومِن ثَم مستقبلها، فمن شأن الرفض الأمريكي تأجيل التطبيق الفوري للقرار، وعدم حصول البعثة على احتياجاتها المالية في الوقت المناسب يُعرِّض البعثة وأدائها للخطر، ويُهدّد بتراجع المكاسب التي تحققت في مواجهة حركة الشباب. جدير بالذكر أنه بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر طلبًا بشأن الحاجة إلى توزيع أكثر عدالة للمسؤوليات المالية واللوجستية، ويرى أنه يتعين على الشركاء الآخرين من دول الخليج والولايات المتحدة والصين والقوى الإفريقية الإقليمية أن يبدؤوا في تقاسم الأعباء وتحمل تكاليف أكبر.

 

7- شراكات ثنائية

في الصومال، ينخرط العديد من الفاعليين من الدول والمؤسسات في شراكات ثنائية واتفاقات تعاون عسكرية، ولعل أبرزها الشراكات مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وغيرهم من الشركاء الذين يتجهون لتوسيع الاتفاقات الثنائية؛ باعتبارها أداة أكثر نجاعة في تعزيز مصالحهم وطموحاتهم، وبداهة، تؤثر تلك الاتفاقات الثنائية على أُطُر التعاون مُتعدّد الأطراف؛ فالاتفاقات الثنائية، لا يمكن أن تحل محل إطار عمل متعدد الأطراف شامل، ويضمن التوافق بين القوات، ويتجنّب الازدواجية والمنافسة، وهو ما ينعكس بالضرورة سلبًا على دعم وتمويل بعثة الاتحاد الإفريقي.

 

8- قيود لوجستية

تواجه البعثة مشاكل لوجستية تؤثر على قدرتها على مواصلة العمليات، وتقديم المساعدة الأساسية لموظفيها، وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية؛ إذ يُشكّل ضعف البنية التحتية في الصومال، المتمثل في الطرق والموانئ ومهابط الطائرات وغياب شبكات النقل الموثوقة عقبات لوجستية أمام البعثة في تعبئة القوات والإمدادات والمعدات بكفاءة، ويجعل مسألة توفير الخدمات والإمدادات تحديًا عضالًا، ولعل ذلك ما دعا رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “الدكتور ووركنيه جبيو” في 24 أبريل إلى الاهتمام بمعالجته وإصلاحه؛ حيث طالَب في إحدى توصياته بضرورة معالجة النقص العملياتي، وتوسيع نطاق الوصول إلى المرافق والقدرات كمراكز لوجستية لقواتنا التي تُحاصر الإرهابيين.

 

ختامًا،

يمكن القول: إن بعثات حفظ السلام لا تزال تشهد حضورًا في جهود إرساء السلام والاستقرار في القارة، وإن كانت بعثات حفظ السلام الأممية تتوارى في الخلف لصالح بعثات حفظ السلام بقيادة إفريقية، وذلك لا يعني أن الأخيرة خالية من التحديات أو تؤدي أدوارها على النحو الأكمل؛ فالبعثات الثلاثة التي أطلقها الاتحاد الإفريقي في الصومال لاقت مصائر متشابهة، ووقعت رهينة التحديات المالية واللوجستية والسياسية والأمنية في الصومال.

 

وبشأن بعثة “أوصوم”، يبدو أنها ورثت من نظيراتها السابقة إشكالات التمويل والإرهاب المتصاعد والخلافات مع رئاسة البعثة والخلافات حول توزيع المسؤولية المالية؛ وجميعها تحديات تُنذر بانتكاسة مُبكّرة لأداء البعثة وولايتها، ويكفي القول: إن نجاح البعثة الجديدة يعتمد في أولى درجاته على التمويل المستدام والمنتظم، وهو أمر مُستبعَد تحقيقه على المدى القريب والمتوسط؛ فاستمرار رفض الولايات المتحدة لنموذج التمويل الهجين المقترح مِن قِبَل الأمم المتحدة يُهدّد مستقبل البعثة، ويُدْخلها حالةً من عدم اليقين المالي؛ فالبعثة حتى الآن لا تملك هيكلاً واضحًا وحددًا للتمويل، وتنتظر نتائج التصويت في اجتماع مجلس الأمن في شهر مايو الجاري بشأن آلية التمويل الجديدة والمحددة. بحسب ما اختتم المقال.