الموقع الإمبراطوري للإمارات في إفريقيا
بقلم داويت و. جيورجيس
الإمارات العربية المتحدة تبلغ من العمر 54 عامًا. إنها دولة صغيرة نسبيًا، تبلغ مساحتها 33,000 كم²، ويبلغ عدد سكانها 10.4 مليون نسمة (2023)، 88.5% منهم أجانب. يبلغ عدد المواطنين الإماراتيين نحو 1.8 مليون، أو حوالي 11% من إجمالي السكان. وتضم جيشًا قوامه 65,000 فرد، يشكل الأجانب 40% منهم.
رغم ذلك، تُعدّ الإمارات قوة إقليمية وعالمية، ومصدرًا مهمًا للطاقة، ولها نفوذ سياسي واقتصادي كبير عالميًا. تحولت من اقتصاد يعتمد على النفط إلى مركز أعمال عالمي بفضل موقعها الاستراتيجي، ومواردها من الطاقة، وقيادتها الطموحة، وسياساتها المالية الرشيدة، وثقافتها المتسامحة، وتنويعها الاقتصادي، وسياستها الخارجية التي تهدف إلى الربح وتوسيع النفوذ. ومع قدراتها العسكرية المتزايدة، أصبحت الإمارات قوة “شبه إمبريالية” في إفريقيا، تستغل الوسائل السياسية والعسكرية لخدمة مصالحها وتماشيًا مع مصالح القوى الإمبريالية كأمريكا وأوروبا الغربية.
منذ 2015، تخلّت الإمارات عن موقفها التاريخي الحيادي وبدأت تتورط بشكل أكثر عدوانية في الشؤون الإقليمية. تزامن هذا التحول مع صعود محمد بن زايد آل نهيان إلى قيادة القوات المسلحة، ومن ثم إلى رئاسة الدولة. تحت قيادته، عززت الإمارات استراتيجيتها التي تمزج بين العسكرة وترويج “القوة الناعمة”. هذا التحول بُني على تطوير القدرات العسكرية منذ التسعينات وتسارع بشكل كبير بعد عام 2011، وبلغ ذروته بعد 2015.
الإمارات في إفريقيا: استثمار، عسكرة، حروب بالوكالة
تلعب الإمارات دورًا متنوعًا في إفريقيا يشمل الاستثمار الاقتصادي، السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية، التوسع في النفوذ، الانخراط العسكري، وإدارة الحروب بالوكالة، بما في ذلك توظيف المرتزقة. وقد عزز موقعها الاستراتيجي ومواردها من الطاقة تحالفها القوي مع الولايات المتحدة.
الإمارات والولايات المتحدة وقعتا اتفاقيات تعاون دفاعي منذ 1994، تم تعزيزها مجددًا في 2019. تشمل هذه الشراكة تدريبات مشتركة، وتخزين معدات أمريكية في الإمارات، وتزويدها بأنظمة أسلحة متقدمة. كما تعد الإمارات شريكًا دفاعيًا رئيسيًا للولايات المتحدة، وتشارك في العديد من عمليات التحالف، وتستضيف منشآت وقوات أمريكية.
في مايو 2025، أعلن البلدان عن إنشاء “شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الإمارات والولايات المتحدة”. وضمن هذا الإطار، ستكون الإمارات مقرًا لأكبر حرم جامعي للذكاء الاصطناعي خارج أمريكا، مع استثمار بمليارات الدولارات لجعلها لاعبًا عالميًا في هذا المجال.
التقارب مع “إسرائيل”
من خلال “اتفاقات إبراهيم” في 2020، كانت الإمارات والبحرين أول دول خليجية تُطبع رسميًا علاقاتها مع إسرائيل، مما منح الإمارات فرصًا كبيرة للتقرب من الولايات المتحدة. تم إنشاء ما يقرب من 600 شركة إسرائيلية في الإمارات، وشمل التعاون مجالات التكنولوجيا وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
موانئ دبي وإفريقيا
تسعى “موانئ دبي العالمية” إلى جعل دبي “منارة لوجستية تحولية”. إلا أن أهدافها تتجاوز مجرد بناء الموانئ؛ فهي تسعى إلى خلق نفوذ واسع في إفريقيا من خلال الاستثمار في اللوجستيات، الطاقة، الزراعة، التعدين، واستغلال الدول ذات الحوكمة الضعيفة مثل السودان، جنوب السودان، أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، الصومال، إريتريا، جيبوتي وغيرها.
القرن الإفريقي كمسرح نفوذ
في إريتريا، أنشأت الإمارات أول قاعدة عسكرية خارجية لها عبر استئجار ميناء ومطار عصب لمدة 30 سنة. وفي الصومال، دعمت فصائل معارضة للحكومة المركزية واستولت على ميناء بوصاصو. كما توسطت بين إثيوبيا وصوماليلاند لبناء ميناء تديره موانئ دبي في بربرة رغم اعتراض مقديشو. ووقعت الإمارات صفقات مماثلة في جيبوتي، بورتسودان، عدن، ومخا.
السودان: حرب للسيطرة والنهب
تمتلك الإمارات مصالح استراتيجية في السودان، حيث تدعم قوات الدعم السريع المتهمة بجرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان. كما تشير تقارير إلى أن 80% من الذهب المهرب من السودان يتجه إلى الإمارات، ما يجعلها أكبر مستفيد من هذه التجارة التي تموّل الحرب. وتدير قوات الدعم السريع عملياتها المالية من دبي.
اليمن: منصة انطلاق إمبريالية
في اليمن، قاتلت الإمارات ضمن التحالف السعودي، لكنها استغلت الوضع لبسط سيطرتها على موانئ عدن، المكلا، المخا، وجزيرة سقطرى. وقامت ببناء قواعد عسكرية واستخباراتية هناك، بالتنسيق مع إسرائيل، وسط استياء شعبي متزايد.
إثيوبيا: الجائزة الكبرى
الإمارات تُعتبر أكبر داعم لحكومة أبي أحمد في حربها ضد شعبها، وخاصة ضد شعب الأمهرة. وقد كشفت صور الأقمار الصناعية عن جسر جوي إماراتي لتوريد السلاح والمعدات العسكرية إلى إثيوبيا. وتشمل العلاقات بين البلدين أيضًا:
قرض واستثمار بـ3 مليارات دولار في 2018.
دور الوساطة بين إثيوبيا وإريتريا.
توقيع 17 اتفاقية تعاون عام 2023.
اتفاق مبادلة عملات في 2024.
مشروع “5 ملايين مبرمج إثيوبي”.
الإمارات متهمة بالمشاركة في أعمال إبادة جماعية في إثيوبيا، وتوريد مرتزقة، وربما إشراك شركة “فاغنر” الروسية (التي أصبحت تُعرف باسم “فيلق إفريقيا”).
المرتزقة: أداة نفوذ إماراتية
كشفت صحيفة كولومبية أن أكثر من 300 جندي كولومبي يعملون كمرتزقة في السودان لصالح الإمارات مقابل 2600 دولار شهريًا، من خلال شركة “وكالة خدمات الأمن الدولية”. وسبق أن استخدمت الإمارات “فاغنر” الروسية لنقل أسلحة إلى قوات الدعم السريع في السودان.
كما استخدمت الإمارات شركة “بلاك شيلد” لتجنيد سودانيين ونقلهم قسرًا للقتال في ليبيا واليمن، وخلال 2011، تعاقدت مع شركة “ريفليكس ريسبونس” التي يديرها مؤسس “بلاك ووتر”، إريك برنس، لتجنيد مرتزقة من أمريكا اللاتينية للقتال في اليمن. في 2018، كشفت تقارير عن استئجار الإمارات لمرتزقة أمريكيين لاغتيال سياسيين يمنيين معارضين لسياساتها.
وتشير تقارير إلى إرسال قوات من الجنجويد إلى ليبيا لدعم حفتر، وقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بتمويل الإمارات لمرتزقة “فاغنر” في ليبيا. كما تم تهريب شحنة قذائف هاون من بلغاريا إلى السودان عبر شركة إماراتية، رغم الحظر الأوروبي.
نحو فيلق أجنبي إماراتي
وفقًا لموقع “إنتليجنس أونلاين”، تخطط الإمارات لإنشاء “فيلق إماراتي أجنبي” على غرار الفيلق الفرنسي، بقيادة ضابط فرنسي سابق، ليكون وحدة نخبة للعمليات الخارجية، في محاولة جديدة لترسيخ نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط.
صحيفة بوركينا