ماذا تخفي واشنطن في رحلتها إلى هرجيسا؟ بين طموح إثيوبي وخارطة نفوذ أمريكية
في توقيت حرج يشهد تصاعد التوترات الإقليمية والدولية في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، حطّ وفد أمريكي رفيع المستوى رحاله في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم أرض الصومال (Somaliland)، مثيرًا موجة من التساؤلات حول الأهداف الخفية لهذه الزيارة، وما إذا كانت تمثل تمهيدًا لتحولات جيوسياسية كبرى تشمل اعترافًا ضمنيًا بكيان غير معترف به دوليًا، وتسهيلًا لمطامع إثيوبية بالوصول إلى البحر الأحمر.
أبعاد الزيارة الأمريكية: شراكة أم صفقة؟
الوفد الأمريكي، الذي ضم دبلوماسيين وقادة عسكريين رفيعي المستوى أبرزهم الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (AFRICOM)، قام بجولة ميدانية في مدينتي هرجيسا وبربرة، تحت غطاء “تعزيز التعاون الأمني” و”تقييم البنى التحتية الحيوية”. هذا التفسير الرسمي، وإن بدا نمطيًا، يخفي خلفه ما هو أعمق بكثير.
فبحسب مصادر مطلعة، ناقش الوفد مع رئيس أرض الصومال عبد الرحمن “عرّو” صراحةً مسألة منح اعتراف أمريكي مقابل منح واشنطن قاعدة عسكرية وجوية دائمة في مدينة بربرة الساحلية. هذا يشير إلى تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وربما إلى خطة تطويق استراتيجية لمياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
المسار الإثيوبي في المشهد: هل التقى عرّو بأبي أحمد؟
في خلفية هذه التحركات، تلوح في الأفق تقارير عن وساطة أمريكية تُمهد لاجتماع قريب بين رئيس أرض الصومال عبد الرحمن عرّو ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، يتم فيه إحياء أو تعديل الاتفاق المثير للجدل الذي كانت إثيوبيا قد وقّعته مع أرض الصومال، لتأجير أجزاء من ساحلها على البحر الأحمر، وهي خطوة رفضتها الحكومة الصومالية واعتبرتها “انتهاكًا للسيادة الوطنية”.
وتؤكد المصادر أن بعض بنود الحوار الأمريكي-الصومالندي تمثل “المفتاح الأساسي” لهذه المفاوضات المحتملة مع أديس أبابا، خاصة أن الجنرال لانغلي، فور إنهائه زيارته لهرجيسا، توجه إلى أديس أبابا والتقى آبي أحمد وقادة الجيش الإثيوبي، في دلالة واضحة على تنسيق ثلاثي أمريكي-إثيوبي-سومالندي.
مخاوف من تنسيق عسكري أمريكي إثيوبي لمواجهة النفوذ الإيراني؟
إلى جانب المسائل المتعلقة بالسيادة البحرية، يرى محللون أن التحرك الأمريكي قد يكون مدفوعًا أيضًا بالرغبة في احتواء تمدد النفوذ الإيراني – عبر الحوثيين – في منطقة البحر الأحمر، لاسيما مع تصاعد التوترات بين إيران و”إسرائيل”، وتزايد الهجمات على السفن الغربية في هذا الممر الحيوي. بربرة، بموقعها الاستراتيجي، تقدم لواشنطن موقعًا بديلًا ومركزيًا لتعزيز وجودها العسكري البحري في المنطقة.
صمت رسمي… لكن المؤشرات تتكلم
رغم أن البيان الرسمي الصادر عن إدارة هرجيسا لم يشر إلى أي بُعد سياسي أو عسكري مباشر، إلا أن تكرار الزيارات الأمريكية إلى بربرة، والمشاركة المكثفة لعناصر من الكونغرس الأمريكي في بعثات ميدانية إلى أرض الصومال، يعكس اهتمامًا أمريكيًا متناميًا بتحويل الإقليم إلى شريك استراتيجي في معادلة الأمن الإقليمي.
وفيما أشار مسؤولون إثيوبيون إلى أن اللقاءات مع الجنرال لانغلي تركزت على “ضمان وصول آمن لإثيوبيا إلى البحر”، فإن رئيس الوزراء آبي أحمد أعلن بوضوح أن قضية الميناء لم تعد موضوعًا سياسيًا بل مسألة “وجودية” تتعلق ببقاء الدولة الإثيوبية اقتصاديًا وأمنيًا.
ملامح اصطفاف جديد في القرن الأفريقي؟
تبدو الزيارة الأمريكية لهرجيسا في ظاهرها زيارة عادية لتعزيز التعاون، لكنها في عمقها تشير إلى بداية اصطفاف جيوسياسي جديد في القرن الأفريقي، تتقاطع فيه طموحات واشنطن العسكرية مع مطامع أديس أبابا البحرية، بينما يُستخدم كيان أرض الصومال كورقة تفاوض أو جسر عبور في هذه التحولات.
وبينما تصمت الحكومة الفيدرالية في مقديشو حيال هذه التطورات، يبدو أن مسرح البحر الأحمر يشهد إعادة رسم خريطة النفوذ الدولية، وقد تكون بربرة هي النقطة التي يلتقي فيها المشروع الأمريكي والإثيوبي، على حساب وحدة وسيادة الصومال.