بين فرص النجاح والانهيار: رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية توقعان اتفاق سلام في واشنطن لوقف القتال وجذب الاستثمار
وقّعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام يوم الخميس في واشنطن، في محاولة لإنهاء العنف في شرق الكونغو، وهي منطقة غنية بالمعادن لكنها ممزقة بسبب القتال المستمر منذ سنوات بين القوات الكونغولية ومتمردي حركة M23 المدعومين من رواندا.
جرى توقيع الاتفاق برعاية الولايات المتحدة، وبحضور دبلوماسيين من قطر والاتحاد الأفريقي، ويهدف إلى نزع فتيل الصراع وتأسيس شراكات اقتصادية مستقبلية في المنطقة.
أبرز بنود الاتفاق
انسحاب القوات الرواندية من الأراضي الكونغولية خلال 90 يوماً.
إعادة دمج مقاتلي حركة M23 ضمن عملية سلام تتولاها الأمم المتحدة.
إنشاء آلية مراقبة مشتركة تحت إشراف لجنة ثلاثية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأفريقي، قطر).
تأمين الاستثمارات في مشاريع التعدين، وخاصة الكوبالت والذهب والنحاس، من خلال إطار قانوني جديد يضمن الشفافية.
ووصف وزير الخارجية الأميركي الاتفاق بأنه “خطوة تاريخية في اتجاه إنهاء دورة العنف في شرق إفريقيا، وفتح الطريق أمام فرص اقتصادية هائلة”.
كما أعرب مسؤول قطري عن التزام بلاده بتوفير تمويل لمشاريع بنية تحتية مشتركة بين البلدين، وتدريب قوات أمن مشتركة لحماية الحدود.
حركة M23 ظهرت عام 2012 وتدعي الدفاع عن مصالح التوتسي الكونغوليين.
وتتهم كل من الأمم المتحدة والكونغو رواندا بدعم الحركة عسكرياً، وهو ما تنفيه كيغالي.
القتال أودى بحياة آلاف المدنيين وشرّد أكثر من 5 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.
يرى مراقبون أن نجاح هذا الاتفاق يتوقف على التنفيذ الصارم للبنود الأمنية، ووجود ضمانات دولية حقيقية، خصوصاً في ظل انعدام الثقة التاريخي بين كينشاسا وكيغالي.
ما جدوى الاتفاق؟
الاتفاق يمثل محاولة جادة لإنهاء أزمة مستمرة منذ سنوات، حيث يُعد الصراع بين الحكومة الكونغولية وحركة M23 أحد أعقد النزاعات في إفريقيا.
انسحاب القوات الرواندية وتفكيك M23 في حال تنفيذهما بصدق، سيعيد الاستقرار إلى مناطق مثل غوما وكيبانغا، التي طالما كانت مسرحًا لانتهاكات جسيمة.
دخول واشنطن والدوحة كضامنين للاتفاق يشير إلى تحوّل في موازين القوى الدبلوماسية في المنطقة، ويضعف بعض المبادرات الإقليمية التي لم تُثمر سابقًا (مثل مبادرة شرق إفريقيا بقيادة كينيا).
قطر تقدم نفسها كلاعب اقتصادي وإنساني، بينما تستعيد الولايات المتحدة نفوذها في منطقة تزاحمها فيها الصين وروسيا.
تاريخ العلاقات بين كينشاسا وكيغالي حافل بالاختراقات، ما يضع تحديًا كبيرًا أمام تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة سحب القوات ومراقبة حركة M23.
نجاح هذا الاتفاق قد يفتح الباب لتسويات مشابهة في صراعات أخرى كإثيوبيا والسودان.
من الناحية الاقتصادية
شرق الكونغو يُعد من أغنى مناطق العالم بالكوبالت والنحاس والذهب، وهي عناصر استراتيجية في الصناعات الحديثة مثل البطاريات والسيارات الكهربائية.
بنود الاتفاق توفر بيئة آمنة نسبيًا للاستثمارات، خصوصًا من شركات أمريكية وأوروبية تبحث عن بدائل للصين.
وتعهدت قطر بتمويل مشاريع بنية تحتية، تشمل طرقًا وسككًا حديدية وموانئ نهرية، مما ينعكس على التجارة العابرة للحدود بين البلدين.
المشاريع الأمنية (مثل قوات حرس الحدود المشتركة) تعني تقليص نفوذ الميليشيات، وفتح مناطق كانت محرّمة أمام التنمية.
تحديات الاتفاقية
لا تزال العقبات أمام الاستثمار قائمة، أبرزها: ضعف الحوكمة، والفساد، والافتقار إلى مؤسسات رقابة مستقلة في الكونغو.
كما أن أي فشل في الترتيبات الأمنية قد يؤدي إلى إعادة إشعال القتال، وهو ما سيؤثر على ثقة المستثمرين سريعًا.
إن اتفاق واشنطن بين رواندا والكونغو الديمقراطية ليس مجرد تفاهم عسكري، بل هو نقطة تحول إقليمية قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الأمن والتنمية في قلب إفريقيا. لكنه في المقابل رهان محفوف بالمخاطر، يتطلب التزامًا حقيقيًا، وإرادة دولية لضمان التنفيذ.