روسيا تحصل على موافقة السودان لإنشاء قاعدة بحرية

توصلت روسيا والسودان إلى اتفاق يسمح لموسكو بإنشاء قاعدة بحرية على ساحل الدولة المطلة على على البحر الأحمر، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الروسية “تاس” عن وزير الخارجية السوداني.

قال علي يوسف أحمد الشريف في تصريحات نقلتها “تاس”: “لقد اتفقنا على كل شيء”. ومع ذلك، لم يرد الوزير على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية عندما حاولت “بلومبرغ” التواصل معه يوم الخميس للتعليق على الأمر.

لطالما سعت موسكو إلى ترسيخ وجودها على ساحل السودان الذي يمتد لمسافة 530 ميلاً (853 كيلومتراً)، ومن شأن الاتفاق النهائي إثارة قلق الغرب بشأن تصاعد النفوذ الروسي في أفريقيا. وطُرحت فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية لأول مرة في عهد  الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لكن تنفيذها تعرقل بسبب اندلاع الحرب الأهلية في السودان قبل عامين.

وفي العام الماضي، أعلن الجيش السوداني أن روسيا وافقت على تزويد الخرطوم بالأسلحة مقابل السماح لها بإنشاء محطة عسكرية للتزود بالوقود على الساحل السوداني.

 

دعم روسيا لجيش السودان

 

اتفاق على «كل التفاصيل» لإنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان

 

أفادت “بلومبرغ” في ديسمبر الماضي بأن روسيا باعت ملايين البراميل من الوقود وآلاف الأسلحة ومكونات الطائرات النفاثة للجيش السوداني، فيما أرسلت إيران شحنات من الأسلحة وعشرات الطائرات المُسيرة. وهذا الدعم سمح للجيش السوداني باستعادة السيطرة على أجزاء من العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة خصمها، ميليشيا قوات الدعم السريع.

يتزامن هذا الاتفاق مع جهود موسكو الرامية إلى الحفاظ على سيطرتها على قاعدتين عسكريتين استراتيجيتين في سوريا، وهما قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، وذلك عقب الإطاحة بحليفها الرئيس بشار الأسد خلال ديسمبر الماضي.

وتجري الحكومة الروسية مفاوضات مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لضمان استمرار سيطرتها على هذه المنشآت، التي تعتبر محورية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا.

في هذا السياق، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أحمد الشرع يوم الأربعاء، حيث ناقشا استعداد روسيا لتقديم مساعدات إنسانية إلى سوريا.

 

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان أبريل 2024 (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

 

وعلقت صحيفة الشرق الأوسط على الخبر بقول: “دشّنت موسكو والخرطوم، الأربعاء، مرحلة جديدة في العلاقات والتعاون، بإعلان التوصل إلى «تفاهم كامل» في ملف إنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في مدينة بورتسودان. وتوج البلدان بذلك عملاً طويلاً تخللته جولات عدة من المفاوضات حول الموضوع استمرت لسنوات، وتعثرت أكثر من مرة، بسبب تقلبات الأوضاع في السودان. ويتيح الاتفاق، الذي ينتظر أن تتبلور ملامحه النهائية قريباً، توسيع حرية الحركة للسفن الحربية الروسية في البحر الأحمر، ويمنح موسكو الحق في نشر 300 عسكري و4 سفن في القاعدة. في المقابل تعمل روسيا على دعم الجيش السوداني بالأسلحة والمعدات الحربية اللازمة لتطويره”.

 

وبحسب الصحيفة، أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف عن هذا التطور في ختام جولة محادثات أجراها في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

وقال الوزير رداً على أسئلة الصحافيين: «اتفقت روسيا والسودان على كل شيء فيما يتعلق بإنشاء قاعدة بحرية روسية». وأكد: «توصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن هذه القضية».

ولم يوضح الشريف تفاصيل حول بنود التفاهم الحالي، وما إذا كانت صياغة الاتفاق السابق الذي تم التوصل إليه في عام 2017 قد تعرضت لتعديلات أو توسيع. واكتفى الوزير السوداني بإشارة مقتضبة أكد فيها أن الطرفين «توصلا إلى تفاهم بشأن هذه القضية، لذا فإن السؤال بسيط للغاية. ليس لدي ما أضيفه، لقد اتفقنا، على كل التفاصيل».

 

 

سجالات سبقت الإعلان النهائي

وكانت موسكو والخرطوم اتفقتا في عام 2017 خلال زيارة للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى موسكو على إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، لكن الاتفاق لم يتم التصديق عليه في الخرطوم. في حين سارت موسكو من جانبها خطوات لمنح الاتفاق قوة قانونية عبر المصادقة عليه في مجلس الدوما (النواب).

وفي منتصف عام 2021 بعد مرور أسابيع قليلة على إعلان الخرطوم تجميد العمل باتفاقية إنشاء القاعدة العسكرية الروسية في بورتسودان، سرّعت موسكو خطواتها لتحويل الوثيقة إلى اتفاق ملزم، عبر مروره بكل آليات الإقرار القانونية التي نص عليها.

 

وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حينها، بإحالة الاتفاقية إلى مجلس الدوما (النواب) للمصادقة عليها، في ثاني خطوات الإقرار النهائي للاتفاق بعدما صدّقت الحكومة الروسية عليها رسمياً قبل أسبوع واحد. وجاء التطور آنذاك، رغم أن القيادة السودانية أبلغت موسكو بموقفها بشكل مباشر ورسمي عبر اتصالات جرت على المستويين العسكري والدبلوماسي، وكان أبرزها زيارة وفد من وزارة الدفاع الروسية برئاسة نائب الوزير ألكسندر فومين إلى الخرطوم، وزيارة وزير الدفاع السوداني إلى موسكو، في إطار مشاركته في مؤتمر الأمن الدولي الذي نظمته وزارة الدفاع الروسية في مايو (أيار) 2021.

وأظهر التحرك الروسي أن موسكو سعت إلى الضغط على الحكومة السودانية الجديدة في ذلك الوقت، رغم تصريحات رئيس أركان القوات المسلحة محمد عثمان الحسين، الذي قال إن «الخرطوم تعتزم مراجعة اتفاق إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر»، مشيراً إلى أن «الوثيقة أقرّتها الحكومة السابقة ولم يصدّق عليها مجلس النواب».

ورغم الموقف السوداني، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الاتفاق يبقى ملزماً للطرفين، لأن «هذا الاتفاق تم توقيعه في الخرطوم يوم 23 يوليو (تموز) 2019 من قبل مسؤول مكلف للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، أي بعد تغيير النظام السياسي في السودان»، وفقاً لتعليق الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا التي أضافت أن «الوثيقة لم تجرِ حتى الآن المصادقة عليها من قبل الطرف السوداني لأنه لا يوجد حالياً في البلاد جهاز سلطة تشريعية يتمتع بمثل هذه الصلاحيات».

 

في المقابل، لمّحت زاخاروفا إلى استعداد الجانب الروسي لإبداء مرونة في مراجعة نص الاتفاق، وقالت إن «موسكو مهتمة بتعزيز التعاون مع الخرطوم. ونص الوثيقة يمكن أن يتغير». وأوضحت أنه «يمكن حتى دخول الاتفاق حيز التنفيذ إجراء تغييرات جوهرية في نصه بالتنسيق بين الطرفين وفي حال وجود مبادرة لذلك من قبل أي منهما».

 

مضمون الاتفاق

 

مرفأ بورتسودان على البحر الأحمر (سونا)

ونص الاتفاق في صياغته الأولى التي يمكن أن تكون قد خضعت لبعض التعديلات في إطار التفاهم الجديد على منح روسيا حق استخدام مركز لوجيستي عملياتي في بورتسودان، على ألا يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد المركز البحري العاملين في آن واحد 300 عسكري، كما لن يتمكن أكثر من 4 سفن حربية روسية من البقاء هناك في وقت واحد. كما نص الاتفاق على أنه يسري لمدة 25 عاماً مع إمكانية التمديد بعد انقضاء هذه الفترة.

 

اللافت أن التفاهم الجديد قد يكون جزءاً من اتفاقيات أوسع، كانت موسكو والخرطوم قد لمّحت إليها في وقت سابق.

 

وكان وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين قد قال خلال زيارة سابقة إلى موسكو إن «الحديث في الواقع لا يدور عن اتفاقية واحدة، بل عن 4 اتفاقيات متعلقة بالتعاون العسكري بين البلدين تقضي بإنشاء ممثلية لوزارة الدفاع الروسية في السودان وتسهيل دخول السفن الحربية الروسية في الموانئ السودانية، ومن ثم الاتفاق على إنشاء مركز دعم لوجيستي روسي في السودان». ولفت إبراهيم إلى أن 3 من هذه الاتفاقيات لا تزال مستمرة، وهناك «بعض المسائل التكميلية بالنسبة لها».

 

كما برزت معطيات عن أن موسكو تتعهد بموجب الاتفاق بدعم قدرات الجيش السوداني. وكان المحلل السوداني عثمان الميرغني قد قال لوسائل إعلام، في وقت سابق، إن «الجيش السوداني في حاجة ماسة إلى الأسلحة والذخائر وقطع الغيار لطائراته المقاتلة روسية الصنع». ورأى أن «تقديم قاعدة بحرية لروسيا في المقابل هو الخيار الأفضل».

 

وكالات