توصيات للمجاهدين على ضوء تقييم التهديد الإرهابي العالمي (2025)
قدم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريره الذي حمل عنوان “تقييم التهديد الإرهابي العالمي (2025)”. وهو مركز يُسخّر جهوده ورصده لتقديم التوصيات لصناع القرار والقيادة الغربية لمنع الصعود الإسلامي ومنع انفلات قبضة الهيمنة الغربية. واختلال موازينها القائمة.
ولذلك فإن تتبع مخرجات هذه المراكز المحاربة، تحت ستار الدراسة والبحث، يقدم بالمقابل توصيات لأهل الثغور والجهاد يُنتفع بها.
وهو ما يجب أن ينشط له الباحثون المسلمون بدل الترجمة الصماء التي تكتفي بنقل ما تنشره مراكز الدراسات والبحث المحاربة، بدون تصحيح معطيات ولا توظيف خلاصات وتوصيات. لنتخلص من حقبة التبعية والمشاهدة ونتحول للعمل وتوظيف ما يتوفر لنا في خدمة الصعود الإسلامي الذي يحاربه هؤلاء الأعداء.
ومن اللافت للانتباه أن مثل هذه المراكز هي بالعادة مراكز غير ربحية، تكرس حياتها لخدمة مشاريع دولها وحكوماتها، في حين نحن أولى بالمراكز المخلصة التي تسدي النصائح والتوصيات ابتغاء مرضاة الله تعالى. كيف ونحن أحق بهم بالدفاع عن التمكين للإسلام الذي تقوم عليه حياة وآمال أمة كاملة مكلومة لا تزال تقتل وتضطهد في كل ركن وزاوية من زوايا العالم.
قراءة في تقييم التهديد الإرهابي في الولايات المتحدة
لعل من أبرز ما قدمه تقييم التهديد لعام 2025، حقيقة كانت بالأمس مجرد “توقع” و”استقراء”، للباحثين من أهل الجهاد، ولكنها اليوم أضحت حقيقة تشهد لها وترصدها مراكز البحث الغربية بنفسها، ألا وهي الإرهاب الأمريكي العنصري، فقد رجعت العنصرية الأمريكية تطبق جميع قواعد ما يسميه الغرب إرهابا لتأكيد فوقيتها على الشعب الأمريكي. تغذيها عقيدة متطرفة بكل ما تعنيه الكلمة تماما، من حيث احتقار الأجناس الأخرى والتعامل معها بعجرفة الرجل الأبيض الأمريكي.
لم يكن هذا الصعود غائبا عن توقعات أهل الجهاد، فقد رصدت منحنيات هذه العنصرية والعقلية مبكرا، وبالنظر للأسباب التي تغذيها وتقويها في المجتمعات الأمريكية، أصبحت أمريكا اليوم تواجه الإرهاب بصناعة أيديها! وهذه آية من آيات الله تعالى، فلا حاجة للإرهابيين المسلمين للوصول لأمريكا للقصاص منها، فالإرهاب اشتعل في أرضها من قلب مكوناتها، وهكذا تحولت معضلة الإرهاب لمشكلة عويصة يصعب التعامل معها بالسياسة الأمريكية الحمقاء بالحرب الشاملة على الإسلام، فالأمريكان اليوم أمام مواجهة مباشرة مع الإرهاب الأمريكي في عقر دارهم، وأصبح الإرهابي الذي يهدد ملكهم هو نفسه الذي يقاتلون العالم لأجل أمنه ومستقبله! فالحمد لله الذي أرانا هذا المكر بهم، وأصبح الإرهابي الذي يشغل دوائر الأمن الأمريكية منهم وفيهم، ولكنه إرهاب الكافر بمفهوم الإفساد في الأرض لإعلاء العنصرية والعصبية للجنس الأبيض الأمريكي، وليس إرهاب الذين آمنوا لإعلاء كلمة الله في الأرض وشتان بين الإرهابين.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
ويكفي من تقييم تهديد الإرهاب في أمريكا لعام 2025، ما جاء فيه من حقيقة أنه: “لا يزال الإرهاب يُشكل تهديدًا للمواطنين الأمريكيين وأصولهم ومصالحهم”، وأنه “في عام 2025، يمثل الإرهاب المحلي تهديدًا أكبر للولايات المتحدة من المنظمات الإرهابية الدولية. حيث تُنفذ معظم الهجمات الإرهابية المحلية في الولايات المتحدة من قبل جهات منفردة أو مجموعات صغيرة تؤمن بمجموعة واسعة من الأيديولوجيات، وأهمها تفوق العرق الأبيض”.
وهكذا تصدر قوائم الإرهاب في أمريكا، منذ عام 2020، الإرهابيون المتعصبون البيض المسؤولين عن معظم الهجمات الإرهابية والوفيات في الولايات المتحدة، مما يجعل هذه الأيديولوجية أكبر تهديد إرهابي للمواطنين الأمريكيين. كما خلص التهديد.
وهذا يعني أن العنصريين البيض كفونا مؤنة شغل الأمريكان في عقر دارهم، فكل ما يصب في استمرار هذا الإرهاب هو من أبوب التخذيل للعدو واستنزافه. زداهم الله شقاقا وكسر شوكتهم وفرق صفوفهم وشغلهم بالحرائق في ديارهم.
وما يبشر في ذلك هو ما يؤكده التقييم من أن الولايات المتحدة لا تستطيع القضاء تمامًا على خطر العنف الإرهابي في البلاد، حيث يصعب تعطيل الجهات الفاعلة المنفردة والشبكات المتطرفة الصغيرة. التي يمكنها مواصلة شن هجمات قاتلة ضد أهداف في الولايات المتحدة في المستقبل المنظور.
وقد لفت التقييم الانتباه لسرطان داخي يأكل الولايات المتحدة وهو الفساد الداخلي فيها، وهو انتصار آخر في معركة الإيمان مع الكفر، فالكفر موجب للفساد والتآكل الداخلي والهزيمة. كما في إحصائية استشهد بها التقييم، تؤكد وفاة ما يقرب من 41,000 شخص في حوادث سيارات، ووفاة أكثر من 107,000 شخص بسبب جرعات زائدة من المخدرات، ووفاة ما يقرب من 50,000 شخص بسبب الانتحار في الولايات المتحدة،
فهذه الدولة التي يعتقد البعض أنها جنة الدنيا، ومركز حضارة الغرب ورمز حرياته وتفوقه، يموت فيها بالمخدرات والانتحار أعداد كبيرة من الناس، أكبر من قتلى الهجمات الإرهابية، فأضحت أمريكا تقتل مواطنيها بأيديها، بفساد فكرها ومنهجها ومعتقداتها وقيمها الليبرالية الهدامة، عبر الانحلال والمخدرات وأمراض الحداثة، ناهيك عن قتلهم بالعنصرية وإرهاب البيض، فسبحان من جعل في ذلك آية وعبرة، وبشرى لأهل الإيمان والشهادة.
إن الإرهاب المفسد في الأرض هو الأمريكي، على عكس ما تحاول الإدارة الأمريكية ترسيخه من مفهوم أن الإرهاب يلتصق بالمسلمين حصرا، فتشيطن مواقفهم وجهادهم ودفاعهم عن دينهم ومقدساتهم وحقوقهم، بما يخدم أهدافها في الحرب على الإسلام، وقد رصد التقييم نشاط الإرهابيين العنصريين ومحاولاتهم لاستهداف المدنيين والمؤسسات الخدماتية، ليتحول “التطرف” لحالة مستعصية تنشئها المعتقدات الأمريكية والظروف الداخلية المعززة لها، حيث جاء في التقييم:
“على عكس السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن أكبر تهديد إرهابي للوطن الأمريكي في عام 2025 يأتي من المتطرفين المحليين وليس من المنظمات الإرهابية السلفية الجهادية الأجنبية”.
“ويُعَدُّ التطرف الحزبي أسرع الأيديولوجيات نموًا في تحفيز الهجمات والمخططات الإرهابية في الولايات المتحدة”.
“يُظهر الإرهابيون المتعصبون للعرق الأبيض في الولايات المتحدة نيةً لقتل المدنيين الأمريكيين وتدمير البنى التحتية الحيوية. منذ عام 2020، نُفذت 34 هجومًا أو مخططًا إرهابيًا في الولايات المتحدة بدافع معتقدات تفوق العرق الأبيض، وهو عدد يفوق أي أيديولوجية أخرى في تلك الفترة”. ” علاوة على ذلك، أودت هذه الهجمات بحياة عدد أكبر من الضحايا مقارنةً بالهجمات التي تحدث بدافع أي أيديولوجية أخرى. هذا المزيج من التكرار والقتل يجعل إرهاب العنصريين البيض هو التهديد الإرهابي الأخطر”.
لقد أكد التقييم على أن الأيديولوجية العنصرية للرجل الأمريكي الأبيض، تعمل على استهداف المدنيين والمسؤولين والبنية التحتية لإحداث الفوضى وتمهيد الطريق لإقامة مشروعهم بدولة عرقية بيضاء أيديولوجيتها هي “العنصرية”. وهذه دورة تتكرر في التاريخ: إسقاط النظام القائم بإسقاط أركانه وإحداث الفوضى فيه، لإقامة نظام جديد. والأيديولوجيا تضمن استمرارية كل ذلك.
ووفق التقييم، يُصنف الإرهابيون من أصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض والسلفيون الجهاديون، في رأس قائمة المتسببين في أكبر عددٍ من القتلى الذين قُتلوا في السنوات الأخيرة في أمريكا، ويكفي من ذلك أنه السبب الأول الموجب لزيادة التمويل بشكل كبير لمكافحة الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة وهو عامل استنزاف يشغل الخزينة الأمريكية من المفيد والمؤثر أن يستمر. ولعل في ذلك قصاصا لدماء أهلنا في فلسطين وفي كل ساحة يقتل فيها المسلمون – نساء وأطفالا وشيوخا- بدم بارد بالقصوفات الأمريكية الطاغية والمكر والكيد للمسلمين.
نقاط لافتة تستوجب تسليط الضوء عليها
يعترف التقييم ضمنيا بثبات الجماعات الجهادية وعجز السيسات الأمريكية عن القضاء عليها، حتى وإن خفت نشاطها في موقع ما، فإنه ما يلبث أن يرتفع في موقع آخر في خريطة العالم الإسلامي، وهكذا تملك السلفية الجهادية القدرة على إشعال المساحات من جديد بعقيدة قتالية لا تفتر. فقد استخدم التقييم هذا المصطلح
“السلفية الجهادية” بوضوح وبشكل مركز للإشارة إلى طرف هو الأبرز في الصراع مع الغرب الكافر.
ومما لفت له التقييم الانتباه، تركيز تنظيم الدولة أكثر على الآلة الدعائية والتحريض أكثر منه على تنفيذ الهجمات بنفسه، وهذا ما يفسر الاهتمام الكبير الذي يوليه التنظيم للدعاية الإعلامية ولألتراس الأنصار، حيث أن أبرز أنشطة التنظيم الدولية ترتكز على إلهام الأفراد ذوي التفكير المماثل بشن هجمات بدلاً من إرسال عملاء لشن هجمات في الخارج. ثم تكتفي القيادة الإعلامية للتنظيم بتبني الهجمات وهذا في الواقع وإن كان يبرز التنظيم في عناوين الأخبار ويسلط الأضواء على استمرار حضوره في ساحة الصراع، إلا أنه يصنع نوع ارتباك، خاصة حين تسارع القيادة لتبني عمليات لم تكن في صالح التنظيم ولم يكن لمنفذها علاقة بالتنظيم ولا بأهدافه. فهذا خطأ يتجنبه أصحاب المهمات الكبيرة، لأنه يفسد مصداقية الجماعة والتنظيم ويصنع منه مجرد متسلق يلهث خلف الأضواء. وما تلك بأساليب أهل الثغور. فالمصداقية في تبني العمليات أمانة تقوم على الصدق لا على المخادعة. لأن لذلك تبعات تربوية للأنصار ولسلوك الجماعة نفسها. فليست العبرة بالتبني لرفع معدل العمليات المتصلة بالتنظيم، ليقال أنه قوي! بل بصلاح الفعل من أساسه وبحقيقة علاقته بالتنظيم واقعا. خاصة في عالم تتداخل فيه الكثير من العوامل والأعداء وأجهزة المخابرات والأمن.
عامل مهم آخر لفت له الانتباه تقييم 2025 هو انخفاض مستوى ما وصفه بـ”التطرف” داخل الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، فقد لعب دوراً حاسماً في إحباط الهجمات داخل أمريكا. حيث كان للتعاون مع جهات إنفاذ القانون، بما في ذلك يقظة المجتمع والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، دورٌ أساسي في إحباط المخططات”. كما ذكر التقييم، وهذا يفسر من جهتين، الأولى: وجود عمالة متزايدة للسلطات الأمريكية وتزايد عدد المخبرين من الجالية المسلمة، مقابل فتات يحصلون عليه لدناءة همة وخسة هدف.
والثانية: نشاط الفرق المبتدعة المؤثر، والذي يصنع التجهيل بأصول الدين والولاء والبراء ونواقض الإسلام، ويصنع البغض للجهاد والنفور من هذه العبادة الفرض بتزيين القعود وذم أهل الجهاد وشيطنتهم، فيصبح التصوف والإرجاء أقرب للقلب وأريح في التعايش مع واقع أمريكا الدنيوي ويناسب النفوس التي تلهث خلف المصالح الدنيوية ولو على حساب دينها وآخرتها.
ما يعني أن الدعوة لله تعالى بنبذ الانحرافات والبدع يكون لها تأثير آخر مباشر على صناعة البطولة في الأمة وتقوية حركات التحرير، فكلما ارتفعت منحنيات الإرجاء والتصوف، قعد الناس وتخاذلوا وركنوا للوهن والأعداء، وكلما ارتفعت منحنيات الدعوة لله تعالى على ما كان عليه السلف الصالح، ارتفعت روح الجهاد ومعدلات البطولة واستقوت حركة التحرير وانكسر قيد الهيمنة والاحتلال.
وهنا ساحة عمل لفرسان العلم والدعوة يجب أن يحرسوها وينبروا فيها للرد على شبهات المبتدعة والحذر من بيع الدين بالدنيا والعمل كمخبر رخيص للحكومة الكافرة المحاربة. وكل ميادين العمل متصلة، الدعوة مع الجهاد مع التربية مع الثقافة مع كل ميدان يؤثر في عملية نهوض الأمة. ولكل ميدان فرسانه وأساليبه المتخصصة لتحقيق الانتصارات ودفع العدو الصائل.
قراءة في تقييم التهديد المتعلق بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي
يرى التقييم أن من وصفهم بـ “جميع فصائل حلفاء إيران الإرهابيين – الحوثيون وحزب الله وحماس –” قد نجوا من مواجهاتهم مع الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم تراجع قوتهم بدرجات متفاوتة، حيث تتحمل حماس وحزب الله العبء الأكبر من المعارضة الإسرائيلية، إلا أن جميعهم يحتفظ بالسيطرة على أراضٍ، ويعيد بناء قدراته بالفعل. بحسب نص التقييم، وهنا ملاحظة تستحق الاهتمام وهي حقيقة الفشل الذي يعاني منه هذا الاحتلال المدعوم بشكل هائل من التحالف الغربي والعربي، بعجزه عن تحقيق نصر حاسم كان من المفترض أن يكون سريعا بحجم التسهيلات التي حصل عليها والخيانات والمؤازرات. وهنا نبصر آية بيت العنكبوت!
وهذا يعني أن بقاء هذا الكيان المسخ يعتمد أكثر ما يعتمد على شبكة ولاءات الحلفاء والخونة والمؤازرات التي تصله، أكثر من كونه يعتمد على قوة عسكرية يتبجح بها بل قد كسرت هيبتها عملية طوفان الأقصى بنقل مباشر على شاشات العالم. فالقضية ليست في قوة الاحتلال بقدر ما هي في جلدة الفاجر والخائن واستمرار إمدادات الدعم للاحتلال من قواعد الوكلاء لأمريكا. فكسر هذه القواعد يجب أن تتضمنه أي استراتيجية تحرير لفلسطين، وإلا فما فائدة ضرب من لم تقطع طرق إمداده فيستجمع قوته من جديد لضربك بينما أنت محاصر! وهذا يعني أن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتحقق قبل تغييرات شاملة في مناطق الجوار تؤمن المدد لأهل الثغور والجهاد وتحبط وسائل الدعم المباشر للاحتلال.
أي استراتيجية لتحرير فلسطين يجب أن تحقق كسر الحصار عنها وكسر طرق الإمداد للاحتلال قدر المستطاع.
وبحسب التقييم يُمثل الحوثيون مصدر قلق جديد نسبيًا للولايات المتحدة، وقد هاجموا سفنًا تابعة للبحرية الأمريكية في المنطقة. ومما يجدر العناية به في جانب الموقف الحوثي هو أهمية تحصيل تقنية الصواريخ والطائرات المسيرة التي تعتبر وسيلة رمي مؤثرة جدا في واقع الحرب اليوم مع قوى الاحتلال.
وهذا يعني استنهاض همم المسلمين أصحاب الاختصاص والعلم في هذا المجال، لتقديم خبراتهم لأهل الثغور والجهاد، ويعني تكريس الجهد في تحصيل هذه التقنية وتطويرها والعمل على توسيع مدى وصولها. فقد تبين من خلال ما تم رصده أنها تشوش العدو وتسبب له خسائر وتكشف عجزا فيه رغم حجم الضربات الانتقامية والتبجح بالبارجات وأساطيل الطائرات.
في هذا التقييم أيضا يظهر كيف أن التسليم لهيئة تحرير الشام لا يزال بعيدا فلا يزال التشكيك في نواياها الحقيقية التي توصف بالغامضة، مستمرا، فضلا عن التشكيك في قدرتها على تحقيق الاستقرار في البلاد خاصة مع ما يتهددها من طغيان الاحتلال الإسرائيلي وشماعة الأقليات التي أضحت سلاحه اليوم كما كانت في يد تحالف إيران يوما مضى. وهذا يعني أن سوريا تحت صفيح من نار وأن التصادم مع الاحتلال الإسرائيلي مجرد مسألة وقت، ولمثل هذا التصادم يجب الإعداد مبكرا، بتربية إيمانية وجهادية تليق، وبجمع على قدر الاستطاعة ينفع ساعة العسرة، وبنشر العلوم العسكرية والأمنية والتصدي لكل ما يعزز الوهن وحب الدنيا وكراهية الموت في الأجيال، فسوريا يجب أن تستعد لما هو قادم. وهي أمانة يحملها أهل الأمانة ممن يرجو رحمة ربه والاصطفاء، مستفيدا من سجل التجارب الثقيل في الساحات. والصراع تطول فصوله ولا يتخلف عن ميادين الجمع والإعداد إلا أعمى البصر والبصيرة.
ثمار الصبر على الجهاد: نماذج نصر مهمشة في أفريقيا
يعترف التقييم أن تنظيم القاعدة بما فيه قيادته في خراسان لا يزال سليما وحاضرا، كما لا تزال أفريقيا المسرح الأكثر نشاطًا للمنظمات السلفية الجهادية، وفي الواقع تضم أفريقيا نماذج نصر لا تزال مهمشة لكون العاملين عليها من السلفية الجهادية، التي لا يراد لها التمكين والإنصاف، على الرغم من أنها رأس الحربة اليوم في التصدي لحملات الغزو الغربي ومكائده.
ولا تزال السلفية الجهادية بعيدا عن شيطنات الإعلام أكثر من يعتني بثغور الجهاد، فهي أكثر فئة استجابت لأمر الله تعالى في إقامة راية الجهاد والتضحية بالنفس والنفيس على عكس الفئات الأخرى التي اكتفت بالتنظير أو السياسية التي لا تدفع ظالما ولا تكسر يد طاغية.
ويرجع سبب هذا النجاح والتمكن من انتزاع مساحات حكم مستقل رغم أنف النظام الدولي وتحالفاته المحاربة، لإصرار المجاهدين على إقامة نظام الشريعة الإسلامية والذود عنه بالجهاد والصبر واليقين، ثم صيانة النفوس من منهجيات ضعيفة مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم، تجعل من الديمقراطية وسيلة مقبولة وهي تنازع الله تعالى في حكمه وشريعته، وتستهين بالتبديل في الدين بحجة الاستضعاف، ولذلك كل تلك التجارب التي انتهجت البراغماتية في الدفاع عما تعتقده، اصطدمت بحقيقة فشلها ونهاية صلاحيتها داخل نظام لا يقبل بغير الكفر والذلة للمسلمين، بل وشاهد الجميع تداعيات قصور نظرها وتنظيرها في حرب لا تقوم إلا على قوة العقيدة ووضوح الأهداف والرايات وصفاء العزائم.
وبحسب التقييم، فإن جماعات القارة الإفريقية رغم ما تتصدره من مساحة تمكين في مشهد القارة إلا أنها تُعدّ في الغالب أولويات ثانوية للولايات المتحدة. ليبقى الاستثناء الرئيسي للإدارة الأمريكية هو حركة الشباب المجاهدين في شرق أفريقيا، والتي من المرجح أن تزداد قوة في عام 2025 مع احتفاظها بنيتها مهاجمة الولايات المتحدة.
وفي هذا الرصد اعتراف ضمني بنجاح استراتيجية حركة الشباب المجاهدين في الجهاد والتمكين للشريعة، ثم نجاحها في تجاوز جميع استراتيجيات القضاء عليها واحتوائها التي سلطتها القيادة العسكرية الأمريكية لإسقاط المشروع الإسلامي في شرق إفريقيا. وبالتالي فإن حركة الشباب المجاهدين تقدم نموذجا يستحق الدراسة والعناية، لما أظهرته من مرونة وقوة وقدرة على حفظ تمكينها الإسلامي بأولويات جهاد عالمي، لا يرى قضية فلسطين قضية ثانوية بل مصيرية. وأمريكا تعلم جدية الحركة في ذلك جيدا.
يرصد التقييم كذلك نجاحا آخر في منطقة الساحل، حيث تجاهد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والذي يعتبره التقييم تهديدا للاستقرار السياسي في المنطقة، وتقويضا للمصالح الأمريكية في القارة، إلا أن التقييم في الوقت نفسه يرى أنه تهديد لا يُشكل سوى تهديدا كامنا للأفراد والأصول الأمريكية نظرًا لافتقاره الواضح إلى نية مهاجمة الوطن الأمريكي أو حلفائه الرئيسيين بشكل مباشر.
ويشكل فرع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل بحسب التقييم تهديدًا بالغ الأهمية، لا سيما مع استمرار تراجع الاستقرار السياسي في المنطقة. ويشير التقييم إلى أن هذه الجماعات التي برزت في الساحل تستحق في المقام الأول استجابة استخباراتية، بالإضافة إلى استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب مع حكومات المنطقة.
مربط قوة وأركان قوة
وهنا نبصر مربط قوة للأمريكيين يجب الانتباه له، وهو الحرب الاستخباراتية وضرورة العناية بالمنظومة الأمنية والاستخباراتية والسعي لاختراق المنظومة الأمنية والاستخباراتية في داخل حكومات المنطقة ووكلاء الغرب، وهذه أركان قوة الهيمنة المتبقية محليا وهي آخر أمل تعول عليه أمريكا، مما سيحقق تغطية ومراقبة تكفي المجاهدين وتسهل لهم إجهاض تحركات الأمريكان ووكلائهم قبل حدوثها. ولا شك أن إسقاط هذه الحكومات سيكون الضربة المثخنة للهيمنة الغربية في المنطقة وهو ما يجب مواصلة التركيز عليه كهدف لا يقبل التأخير أو الإهمال.
نرى أن التقييم يعوّل على ما يسميه “تحليل التحذيرات” الذي لا يهدف إلى دحر هذه الجماعات من خلال العمل العسكري، بل إلى تقليل خطر المفاجأة الكارثية من خلال تركيز الطاقة التحليلية على مراقبة التغيرات الواضحة في أنشطتها والتي تشير إلى احتمال ظهور هجوم من المنطقة. وينصح التقييم بذلك بشدة، وفي هذا اعتراف ضمني بعجز الأمريكان عن إنهاء وجود الحكم الإسلامي في المنطقة وأن فرص الاستقلال بحكم إسلامي شامل، كبيرة جدا ويجب العمل عليها، فالعدو حقيقة عاجز.
قراءة في تقييم واقع ما يسمى الشرق الأوسط
يؤكد التقييم على أن حماس لا تزال الكيان الفلسطيني الأقوى في غزة، إلا أنها أضعف بكثير مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. لا يستطيع التقييم أن يحدد السرعة التي ستتمكن بها حماس من إعادة تشكيل نفسها، ولكن ليس لديه شك يذكر في أنها ستسعى إلى القيام بذلك بأسرع ما يمكن.
تؤكد قراءة التقييم إلى أن مجرد إظهار العداء للاحتلال الإسرائيلي يصنف في دائرة التهديد للولايات المتحدة. كما يؤكد على أن السلطة الفلسطينية، التي تدير المنطقة غالبًا ما تعمل مع الحكومة الإسرائيلية ولصالحها. وأحداث العنف الأخيرة أدت إلى إضعاف السلطة الفلسطينية التي فقدت مصداقيتها بالفعل.
أظهرت الاحتلال الإسرائيلي اختراقه الاستخباراتي العميق لحزب الله، واستخدم الأسلحة النارية وأجهزة الاتصال اللاسلكية (كالبيجر) والغارات الجوية وغيرها من الوسائل لقتل العديد من كبار قادة حزب الله، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله، وإبادة صفوف الجماعة. كما تم تدمير جزء كبير من ترسانة حزب الله (يزعم الاحتلال الإسرائيلي تدمير حوالي 80 في المائة منها) وقيادة الحزب في حالة من الفوضى. كما أدى هجوم الاحتلال إلى تدمير جزء كبير من ترسانة الصواريخ والقذائف لدى الحزب، كل ذلك أوصل لنتيجة وحقيقة عجز حزب الله عن استخدام ما لديه لتحقيق تأثيرات استراتيجية وبالتالي جنى على نفسه بفقد قدرته التي كان يروج لها في ردع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير.
نتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، قبل حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار الذي لا ينهي حربه نيابة عن حماس فحسب، بل من المفترض أيضًا أن ينهي الوجود المسلح لحزب الله في جنوب لبنان. هذا ما وصل له تقييم التهديد، وهو يتفق وتقديرات الفشل الاستراتيجي في الارتهان لإسناد حزب الله، حيث أن التنظيم مخترق وضعيف والعمل ضمن رؤيته لا يزيد الوضع إلا تأزيما وفشلا. بعيدا عن النقاش الشرعي الذي يكثر فيه الجدل والاعتراض لغلبة العصبيات والأهواء وخلل المناهج، نحن نتحدث من حيث الواقع الاستراتيحي للقوى وتأثيرها، فالتحالف مع حزب الله لا يخدم القضية الفلسطينية. وخاصة اليوم بعد ضعفه السياسي والعسكري.
نعم سيعيد الحزب بناء نفسه بدعم إيران، هذا متوقع وفق التقييم، لكنه سيستغرق سنوات لإعادة بناء قواته إلى قوتها قبل الحرب. علاوة على ذلك، لا يزال خطر استمرار الاختراقات الاستخباراتية والضربات الإسرائيلية يهدد هذا الحزب الذي خسر دعامة كبيرة له في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
ويبقى من فروع إيران الأكثر تأثيرا في مشهد الصراع الحوثيين، وهم أكثر العوامل التي اعتمد عليها التحالف الدولي لمنع صعود أنصار الشريعة في اليمن إلى جانب التركيز الأمريكي الشديد على حرب الفرع الجهادي لتنظيم القاعدة في هذه الزاوية من الخريطة.
وبالنظر للتحركات الأمريكية والإسرائيلية التي أعقبت الحرب في غزة فإن اليمن ستكون ساحة مهمة جدا في المواجهة، وقد تؤدي لانحراف الصراع باتجاه السعودية. وهو ما يخدم ضمنيا مصالح الأمريكان في الوصول إلى مصادر النفط الغنية والاستيلاء عليها. بحجة تقديم الحصانة في الحرب، وهو سيناريو يجب أن لا يغيب عن الأذهان.
يرصد التقييم أيضا، نقطة قوة فقدتها إيران في المنطقة وهي سوريا، حيث تعاونت إيران مع حزب الله ومجموعة من الجماعات الفلسطينية في السنوات الأخيرة. كما كان الأسد شريكًا رئيسيًا لإيران، وسهّل نظامه تدفق الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان. ولا شك أن الإطاحة بنظامه – وما نتج عن ذلك من فقدان الدعم – ستضعف تلك الجماعات. بحسب ما يرصد التقييم.
وإيران، مثل وكيلها حزب الله، في وضع أضعف مما كانت عليه قبل عام. ومن المرجح أن تعيد إيران الاستثمار بكثافة في وكلائها. فقد تراجع نفوذها في العراق بشكل طفيف، وستتحرك طهران لإعادة فرض سيطرتها على الجماعات هناك واستعادة نفوذها المفقود. هذا بحسب تقييم التهديد لعام 2025، وبالنظر للسياسات الترامبية الجديدة وبراغماتية إيران المعهودة، فهذا يعني أن على الجماعات التي ترتهن بكامل ثقلها لإيران أن تعيد النظر في استراتيجية تمويلها وتبعيتها لأن لذلك خسائر مثخنة كما ثبت في قلب الخطب والحدث في غزة، فلم تقدم إيران ولا أذرعها الإسناد الذي يوجب كسر الحصار على غزة ويخفف من تداعيات الحرب. وإنما قدمت ذرائع لمزيد تجبر وطغيان ليهود الذين تبجحوا باختراقاتهم المسبقة لمنظومة حزب الله الأمنية ولكون الرد الإيراني لا يعدو استعراضات ضعيفة الأثر.
تركز الولايات المتحدة بالفعل بشكل كبير على تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وإيران، بحسب ما يرصد التقييم ويحث على أنه ينبغي لها الاستمرار في الاستثمار في تحليل أنشطتهم، ولكن ينبغي عليها أيضًا زيادة الاستثمارات في تحليل أنشطة حماس، وحزب الله، والحوثيين، وهيئة تحرير الشام.
ويعتبر التقييم الحوثيين وهيئة تحرير الشام لاعبين إقليميين رئيسيين. ما يعني أن كلاهما سيكون موقعه مؤثرا في الصراع.
اعتبارًا من أوائل عام 2025، يبلغ إجمالي القوات الأمريكية في العراق وسوريا حاليًا حوالي 4500 جندي، وللولايات المتحدة حوالي 40 ألف جندي في المنطقة ككل. تُطمئن هذه القوات، وغيرها من القوات في المنطقة، الحلفاء، وتُساعد في جمع المعلومات الاستخبارية وهذا يقدم تصورا عن درجة تغلغل الاحتلال الأمريكي في المنطقة.
يؤكد التقييم على أن سوريا منطقة ذات أهمية رمزية حيوية للحركة السلفية الجهادية الدولية، وقد استُخدمت سابقا أيام نظام الأسد لتعزيز حزب الله، ويمكن استخدامها لشن هجمات عابرة للحدود الوطنية ضد حلفاء الولايات المتحدة. ويحث الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركاء إقليميين رئيسيين مثل السعودية وتركيا، على تشجيع ما وصفه باعتدال هيئة تحرير الشام، وتقديم كل من المشاركة السياسية والدعم الاقتصادي إذا كان هذا الاعتدال حقيقيًا. وهنا يظهر أسلوب حرب آخر تستخدمه الإدارة الأمريكية في الحرب على الإسلام، وهو تعزيز ما يسمى الاعتدال. وهو في جوهره التخلي عن خيار القوة والإعداد والجمع والجهاد والانضمام لمنظومة الهيمنة والتبعية.
يذكر التقييم بوضوح أسماء الدول الحليفة لأمريكا والتي لديها أولويات في الحرب على الإرهاب، وهي السعودية والاحتلال الإسرائيلي وتركيا، ما يشير إلى أن هذه الأطراف سيكون لها سياساتها ودورها في ضمان بقاء المنطقة داخل النظام الدولي بما يخدم مصالحها. وهي التي تتصدر تحركات بارزة في السياسة الأمريكية اليوم وفي قابل الأيام. وإن كان التقييم لا يذكر قطر فهي ضمن هذه التحالفات التي تخلص للإدارة الأمريكية في تحقيق أهدافها ناهيك عن الإمارات.
وهنا خلاصة يجب الانتباه لها في التقييم حيث تقول:” يُعدّ الشرق الأوسط موطنًا لبعضٍ من أخطر الجماعات الإرهابية وأكثرها تأثيرًا في العالم. ومع ذلك، لا ينبغي للولايات المتحدة، ولا يمكنها، أن تفعل كل شيء. في كثير من الحالات، ستعتمد بشدة على إسرائيل والسعودية وتركيا وحلفائها الآخرين، معتمدةً على استخباراتهم وقدراتهم العسكرية ونفوذهم الاقتصادي والسياسي. ومع أن هذا يُخفف العبء على الولايات المتحدة ويضيف موارد إضافية، إلا أنه يعني أيضًا أن مصالح وتحيزات حلفاء الولايات المتحدة ستُشكّل السياسة الأمريكية العامة”.
فمشهد الصراع فيما يسمى الشرق الأوسط يقوم بوضوح على دور تركيا والسعودية والاحتلال الإسرائيلي في انسجام وإن أظهر اختلافا. ومراقبة تحركات هذه الأطراف الثلاثة يعني معرفة ما يريده الأمريكان للمنطقة. وهم يعملون بتناغم وبتناوب، والانجرار لما تريده هذه الأطراف يعني إطالة فترة التبعية المذلة.
الدولة الإسلامية واقع لا مفر منه وحقيقة باتت واضحة
يشير التحليل العام إلى أن حركة الشباب المجاهدين هي الجماعة الإرهابية الأفريقية الأكثر احتمالاً لشن هجوم إرهابي مميت ضد هدف أمريكي. إنها تُشكل تهديدًا مباشرًا، وقد أبدت نيتها لشن مثل هذه الهجمات، ومن المرجح أن تزداد قدرتها في عام 2025. هكذا يتحدث التقييم عن حركة الشباب المجاهدين وقد كشف في التعليق على ذلك عن حقيقة تشكل نظام إسلامي يملك مقومات الدولة المتمكنة، لا يمكن إزاحته.
وهو ما رصده كذلك في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، حيث رصد ثلاثة اتجاهات رئيسية يوصي صانعي السياسات بمراقبتها في عام 2025.
أولها: هو تزايد احتمال ظهور دويلة إرهابية في منطقة الساحل مع ازدياد قوة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم الدولة الإسلامية في جنوب إفريقيا (ISSP). ويقصد بذلك دولة إسلامية تحكم بشريعة الله تعالى.
ثانيها: هو أن الصراع بين الجهاديين في محيط بحيرة تشاد يحول بشكل متزايد التهديد الإرهابي إلى نيجيريا. وهذا يعني اتساع رقعة النفوذ الإسلامي حتى عند تصادم الجهاديين والجماعات الإسلامية الذي من المفترض أن يكون أثره عكسيا على تحقيق الاستقرار الإسلامي، إلا أنه يوسع من رقعة المساحات المتمردة على النظام الدولي في المقابل.
ثالثها: هو أن حتى الجماعات الأضعف في القارة نجت من هجمات حكومية كبيرة في عامي 2023 و2024، ويبدو أنها على وشك التعافي وسط تشتيتات ناجمة عن السياسة الدولية. وهذا يؤكد من جديد أن استراتيجيات التمكين للجماعات الجهادية أثبتت مرونتها وعجز أكبر ترسانة عسكرية وتحالفات الكيد الغربي، عن القضاء عليها. وتلك هي السبيل لانتزاع مساحات التمكين.
حركة الشباب المجاهدين
بحسب التقييم فإن حركة الشباب المجاهدين هي واحدة من أقدم الجماعات الإرهابية وأكثرها نجاحًا في أفريقيا. تسعى حركة الشباب المجاهدين إلى انسحاب القوات الأجنبية من الصومال كهدف وسيط بالغ الأهمية، مُدركةً أن وجودها كان محوريًا في دعم الحكومة الصومالية. وبصفتها الجماعة الإرهابية الأكثر قدرة في أفريقيا، وتسيطر الحركة على مساحات شاسعة في جنوب البلاد، كما تتمتع الجماعة بنظام حوكمة أشبه بالدولة. وحركة الشباب دولة جهادية عالمية وقد رصد التقييم قرار التنظيم بتصنيف العديد من الهجمات البارزة تحت شعار “القدس لن تُهوّد” الإعلامي ليُذكّر برغبة حركة الشباب المجاهدين المستمرة في نصرة قضايا الأمة والارتباط بالحلول الشاملة لقضاياها وليس القطرية المجتزأة. ومن المرجح أن تزداد قوة حركة الشباب في عام 2025. ما يعني من المرجح أن تتضح أكثر ملامح دولة إسلامية في شرق إفريقيا لا تعترف بقوانين النظام الدولي، ولا تحتكم لغير الشريعة الإسلامية.
نحن حقيقة أمام مرحلة تاريخية في مسيرة هذه الأمة المسلمة، لقد بدأت ثمار الجهاد تؤتي أكلها ونحن الآن نتحدث عن وجود دول إسلامية، تتسع وتكبر، ولن يوقف مدها أحد ولو كان أمريكا التي بدأت تنشغل بمشاكل أكبر تهدد وجودها!
فالحمد لله الذي أعز المسلمين بالجهاد والحمد لله الذي أرانا نتائج الجهاد مؤيدة، رغم حجم الشيطنة والاعتراضات والاتهامات التي لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
التعاون مع الحوثي تخمين أو حقيقة؟
لقد نظرت في الكثير من التقارير التي تدعي أن هناك تعاونا بين حركة الشباب المجاهدين والحوثيين ولم أجدها تستند لأي معطيات حقيقية سوى ربط هش بين حقيقة أن هناك حركة أسلحة بين اليمن والصومال، وهي حركة تستفيد منها كل جماعة مسلحة، وليس حركة الشباب المجاهدين فقط ولذلك ذكرت بعض التقارير عن استفادة تنظيم الدولة من الحوثيين، أما محاولة جعل العلاقة تنظيمية وطيدة هو مما لا يستقر في عقل من يعرف حركة الشباب المجاهدين وواقع الساحات الجهادية خاصة مع الخلاف العقدي الكبير بين الجماعتين. ومعلوم موقع حركة الشباب المجاهدين في حلفها مع تنظيم القاعدة في اليمن والذي بدوره يقاتل الحوثيين ويسعى لإسقاط حكمهم. فلو كان هناك تحالفا فسيكون بدعم حركة الشباب المجاهدين للقاعدة في اليمن لكسر الحوثيين. وغير ذلك مجرد شائعات لأهداف تريد أن تحققها القيادة الأمريكية خبيثة كعادتها.
ولذلك جاء في تقييم التهديد:” يمكن للحوثيين أن يقدموا، وربما يقدمون بالفعل، لحركة الشباب المجاهدين بعضًا من فوائد رعاية الدولة، وخاصة توفير التدريب العسكري وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار”، فالأمر لا يتجاوز تخمينات وهواجس يحملها المراقبون الغربيون.
ولذلك يؤكد التقييم بعبارة صريحة ذلك حين يقول:” لا توجد أدلة قاطعة حتى الآن في المصادر المفتوحة على عمليات نقل كبيرة للأسلحة من الحوثيين إلى حركة الشباب المجاهدين”.
ثم لننظر لمصدر التقييم في إثارة هذا الربط الافتراضي، لقد اعتمد على تصريح مساعد كبير لزعيم الجبهة الوطنية للمقاومة اليمنية الذي يقول “الحوثيون يعتزمون تزويد حركة الشباب بأسلحة أكثر تطورًا قد تُمكّنهم من استهداف السفن في خليج عدن”.
فمتى يعقل المراقبون في الساحة الغربية ليدركوا أن المسؤولين الحكوميين الموالين للحكومات المحلية يستجدون دعم الأمريكيين، وهم الأكثر كذبا وتضليلا للاستفادة من بقاء الحراسة الأمريكية لهم وتعزيز موقعهم بتضخيم كل ما يجري واختلاق روايات تضمن استمرار الحضور الأمريكي في المنطقة الذي بدونه كانوا منذ زمن بعيد في خبر كان!
إن الكذب الذي يروج له المسؤولون اليمنيون لا يختلف عن الكذب الذي يروج له المسؤولون الصوماليون بهذا الشأن بهدف جذب الولايات المتحدة لتثبيتهم وحراستهم ومراقبة الاتصال المزعوم بين الجماعتين المختلفتين عقديا واستراتيجيا!
وإن كان الأمر يتعلق بشراء أسلحة، فحركة الأسلحة في القارة نشطة ولها شبكاتها، ولا يعني وصول أسلحة من اليمن تعاونا استراتيجيا مع الحوثيين. فلطالما وصلت أسلحة من اليمن للصومال ويدرك ذلك جيدا مراكز المراقبة والرصد الغربية.
أهم الخلاصات
ولعل أهم خلاصة قدمها هذا التقييم هي أن حركة الشباب المجاهدين قد تمكنت بحكمها الإسلامي القوي في الأرض، وبمنظومة حوكمة ناضجة وتحصين مرن، فلم تعد هناك مرحلة رجوع للخلف بل مزيد تقدم لترسيخ أركان الدولة الإسلامية في الجبهة الجنوبية للعالم الإسلامي.
وهو تماما ما تتجه له منطقة الساحل بحسب التقييم، على الرغم من أنه يصنف الجماعات العاملة على إقامة حكم إسلامي في الساحل أضعف من حركة الشباب المجاهدين إلا أنها بلغت نصاب التمكين الموجب لإقامة دولة إسلامية في المنطقة. يصعب اجتثاثها.
ومما يعزز هذه الدولة الواعدة حاليا هو عدم إبداء الجماعات العاملة على التمكين في الساحل نية استهداف الأهداف الأمريكية.
ويستبعد التقييم قيام حملة روسية كبرى لتدمير دويلة سلفية جهادية، على غرار عملية سرفال أو الحملة الأمريكية العالمية، فالمطلب الرئيسي لقواتها العسكرية هو الحرب الدائرة في أوكرانيا، وقد تغاضت موسكو بالفعل عن الانهيار التام لشريك أكثر أهمية – نظام الأسد في سوريا – في عام 2024. فلا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن روسيا لديها القدرة أو الإرادة لتفكيك دويلة إرهابية في منطقة الساحل في حال ظهورها. بحسب ما يؤكد التقييم.
وهنا مفارقة يجب ذكرها، فحركة الشباب المجاهدين تصنف اليوم الأقوى في القارة وبتمكين أوسع، وهي تبدي وتعلن العداء لأمريكا وتستهدفها ولا تخفي نية استهدافها، مع ذلك لا يمكن لأمريكا أن تمنع صعودها، والأمر نفسه للجماعات التي لا تعلن نيتها استهداف أمريكا، فالقضية في الواقع ليس في ما تريده أمريكا، بل في ما تريده هذه الجماعات التي تقاتل لإقامة شريعة الله تعالى في الأرض وهو ما يجب أن تستوعبه القيادة الأمريكية، لقد ولى زمن الإملاءات الغربية على العالم الإسلامي، وبزغ فجر مساحات التمكين ودول الإسلام الصاعدة، والقادم بشريات وأهداف أكبر تتحقق بإذن الله تعالى.
تصادمات المشاريع حركة تدافع
بحسب التقييم تُعدّ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أهم جماعة في منطقة الساحل. تشكلت من خلال اندماج العديد من فروع القاعدة في غرب الساحل، وتحتفظ بالشكل العالمي للقاعدة من السلفية الجهادية. تواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين زيادة سيطرتها الإقليمية وتوسيع مناطق عملياتها في غرب مالي مع تعزيز أراضيها في جنوب مالي وعلى طول حدود بوركينا فاسو. أسست وجودًا في مناطق جديدة في وسط وجنوب مالي، وواصلت توسيع نطاق عملياتها في ساحل غرب أفريقيا، ولا سيما في بنين وتوغو، وبدرجة أقل في غانا وكوت ديفوار.
هذا ما رصده التقييم بشأن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في الساحل لكنه رصد معه تصادمها -كفرع من مشروع القاعدة العالمي للتمكين للإسلام وإقامة الخلافة- مع مشروع تنظيم الدولة المنافس، ويرجح التقييم أن يصب الصراع في صالح الجماعة الأكثر قدرة – وهي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين – مما يعني أنه من المرجح أن يشهد عام 2025 توقف صعود تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية الساحل. حتى لو لم تتمكن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من تقليص المكاسب التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية الساحل بشكل ملحوظ في عام 2024.
التصادمات بين الجماعات لا تقف عند تصادمات الجماعات في منطقة الساحل بل رصد التقييم صداما آخر يجري بين جماعة بوكورحرام وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا في بحيرة تشاد. حيث لا تزال هناك منافسة بين جماعتين، تختلفان في منهجيتهما وأهدافهما.
وضمن حديث تنافس المشاريع، يشير التقييم لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من بين أضعف المنظمات الإرهابية في أفريقيا وفقًا لمعظم المقاييس التقليدية لنجاح الإرهاب، لكنه تحول حاليا لمركز لمكتب الكرار التابع لتنظيم الدولة، والذي يوفر التمويل للقوات الديمقراطية المتحالفة والدولة الإسلامية في موزمبيق وتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، وربما لجماعات تنظيم الدولة الإسلامية في تركيا واليمن.
الخيار الدبلوماسي والسياسي قسري لا طوعي
سلط التقييم الضوء على تحالف القوى الديمقراطية وهو جماعة متمردة قديمة تعمل في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وغرب أوغندا، وقد أصبح تابعًا لتنظيم الدولة الإسلامية حوالي عام 2019.
يضم شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية حوالي 100 جماعة مسلحة، ولعل أقدرها حركة إم23 المدعومة من رواندا. استولت إم23 على غوما في يناير 2025، وهو تصعيد كبير في الصراع الدائر في البلاد منذ فترة طويلة، مما قد ينذر بزيادة عدم الاستقرار وانخفاض التركيز الكونغولي والأوغندي على محاربة تحالف القوى الديمقراطية.
وخلاصة التقييم في هذا الجزء من القارة: “تُظهر الاتجاهات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق قدرة المنظمات الإرهابية في أفريقيا على الصمود ودور الجهات الفاعلة الدولية في كيفية ظهور التهديدات يُذكر كلا المثالين بشدة بأن السعي للقضاء على التهديد الإرهابي داخل أفريقيا من غير المرجح أن ينجح، وأن الدبلوماسية الإقليمية الفعالة عنصر مهم في أي جهد لاحتواء الجماعات الإرهابية أو دحرها”.
وهذا يعني أن لا شيء يسير وفق إرادة أمريكا كما يعتقد بعض ضحايا التبعية للغرب. وأن الاتجاه المقبل سيركز أكثر على النهج السياسي والدبلوماسي للاحتواء، وهذا يعني أن تحقيق النفوذ حين تمتلك القوة تحصيل حاصل، لكن استمرارية هذا النفوذ لها عوامل أخرى ليس هذا مقامها.
الأمر نفسه يتكرر مع ساحة الصومال وبشكل أكثر وضوحا، فبحسب التقييم فإن الدور الأمريكي يعتمد بشكل كبير على العديد من الدول التي تتمتع بعلاقات أمنية قوية مع الولايات المتحدة وحلفائها. لا تُعدّ كينيا وتركيا داعمين رئيسيين للصومال فحسب، بل تُعدّان أيضًا شريكين أمنيين مهمين للولايات المتحدة، وقد تتمكن الولايات المتحدة من إقناعهما بزيادة دعمها للحكومة الصومالية. ويرى التقييم نجاح التوسط في النزاع الدائر بين إثيوبيا والصومال حول علاقة الأولى بإقليم صومالي لاند الانفصالي سيسمح لإثيوبيا بدعم قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM) ومواصلة الضغط على حركة الشباب المجاهدين.
وفي هذا الصدد، يقدم التقييم هذا الاعتراف المهم:”بغض النظر عن مجموعة التدابير التي تختارها إدارة ترامب لتنفيذ سياستها تجاه الصومال، ستظل حركة الشباب المجاهدين تُشكل تهديدًا في المستقبل المنظور. لا توجد تدابير يمكن لأي جهة خارجية اتخاذها لدفع الجماعة نحو الهزيمة الاستراتيجية. أفضل ما يمكن للمرء أن يأمله واقعيًا هو أن يُقلل الضغط على الجماعة وشركائها الدوليين من قدرتها على التخطيط لعمليات خارجية كبرى والمساهمة في استقرار الصومال”.
نظام إنذار استراتيجي
لقد أولى التقييم اهتماما كبيرا بما يسميه “نظام إنذار استراتيجي”، وهي الوسيلة التي يقترحها لاحتواء طموحات الجماعات الجهادية والدول الإسلامية الصاعدة في أفريقيا، وبحسب التقييم، يجب أن تتمثل الأولوية الثانية لمكافحة الإرهاب في أفريقيا في بناء نظام إنذار استراتيجي يركز على منطقة الساحل. يجب أن يُعطي نظام الإنذار الاستراتيجي الأولوية لثلاثة تهديدات رئيسية تتعلق بالجماعات السلفية الجهادية في منطقة الساحل: قدرتها ونيتها على تنفيذ عمليات خارجية أو استهداف مواطنين أمريكيين أو منشآت أمريكية في المنطقة؛ وتوسيع أنشطتها التمردية خارج مناطق عملياتها الحالية؛ والاستقرار السياسي لحكومات المنطقة.
وبحسب التقييم، يُعد الإنذار الاستراتيجي أكثر أهمية من الاستهداف النشط للجهاديين في منطقة الساحل لثلاثة أسباب رئيسية:
أولها: أنه أكثر جدوى وتفتقر الولايات المتحدة إلى وصول عسكري كبير إلى المسرح الرئيسي. كما لم تعد الولايات المتحدة تتعاون مع مالي أو بوركينا فاسو أو النيجر في مكافحة الإرهاب بأي شكل من الأشكال، مما يعني أن عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية التي تستهدف الجماعات في معقلها الناشئ ستكون في أحسن الأحوال صعبة سياسياً ولوجستياً.
السبب الثاني: هو أن الجماعات لا تُظهر رغبة كبيرة في مهاجمة الولايات المتحدة. وبالتالي، قد يكون لزيادة العمل الحركي ضدها نتائج عكسية، مما يحولها إلى تهديدات أكبر من خلال جعلها أكثر عدائية تجاه الولايات المتحدة.
ثالثاً: تأثر تصاعد التهديد الجهادي بشدة بعوامل سياسية مثل إحياء الصراع الانفصالي في شمال مالي، والصراع أو الانفراج بين الجهاديين، والانقلابات في المنطقة، وتحول الحكومات العسكرية في منطقة الساحل نحو روسيا.
يصعب التأثير على هذه العوامل – وخاصة من خلال العمل العسكري – وسيتم إنفاق الموارد المخصصة لفهم وتوقع تحولاتها بشكل جيد. وما لا يمكن الاعتماد عليه هو التحكم في النزاعات الإقليمية، مع شدة الاستقطاب والتصادم.
لقد وصل التقييم لقناعة أن حركة الشباب المجاهدين، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يمكنهما الإطاحة بحكومة إقليمية، وإحداث انهيار دولة، وإنشاء نوع من الدويلات في المنطقة. وبحسب التقييم قد تُشكّل هذه الدويلات نقطة جذب للإرهابيين العابرين للحدود الوطنية، أو تُلهم المتعاطفين مع السلفيين الجهاديين المقيمين في الولايات المتحدة. كما يُمكن أن تُلحق ضررًا جسيمًا بجهات أمريكية أخرى ومصالحها في القارة، وخاصةً مصالحها الاقتصادية وحقوق الإنسان كما يزعمون.
ولذلك يرى التقييم أن نظام الإنذار الاستراتيجي سيظل فعالًا كحارس ضد الهجمات الدولية حتى لو قامت جماعة إرهابية بتأسيس دويلة في المنطقة. كما يحدث حاليا مع حركة الشباب المجاهدين وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
فتأسيس دول إسلامية ليس مجرد حلم ينتظر التحقيق، بل واقع ينتظر التقدير والدعم، والغرب قد وصل لقناعة استحالة منع هذه الدول من الاستمرار في خريطة العالم ولكنه يحاول إبعاد تبعات حضورها قدر المستطاع، وقد تصالح مع فكرة وجودها قسرا، وأضحى يخطط لما بعد ذلك ولو بخجل، وفي ذلك قراءة لما ستشهده خريطة الصراع في مستقبل الأيام.
في الختام
من تدبير الله تعالى لعباده المجاهدين وللأمة المسلمة أن يصبح أكبر تهديد إرهابي للوطن الأمريكي من المتطرفين المحليين، وليس من المنظمات الإرهابية الأجنبية.
تواجه الولايات المتحدة مشكلة إرهاب داخلي متنامية ومتطورة. حيث لا يزال المتعصبون البيض العنيفون يشكلون تهديدًا إرهابيًا كبيرًا للأمريكيين، كما أن حركة التطرف الحزبي المتنامية تهدد بشكل متزايد الشخصيات السياسية والأهداف الحكومية. في حين لا يزال المتعاطفون مع السلفية الجهادية في الولايات المتحدة يشكلون تهديدًا مرنًا، وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه الحال من قبل، ويعني هذا التحول أن مكافحة الإرهاب المحلي يجب أن تحصل على حصة أكبر من الموارد مع تراجع أنشطة مكافحة الإرهاب الدولية. وأن التركيز الأمريكي سينشغل بداخل أمريكا وبالتنافس مع الدول الكبرى، أكثر من إرهاق نفسه مع دول إسلامية جهادية عنيدة تصعد، وسيولي اهتمامه أكثر على منع استهداف الأمريكان والمصالح الأمريكية. وهذه دلالة عجز وفشل استراتيجي، توّجت الجهود الأمريكية المتفانية والحشد الضخم والتمويل المجنون للحرب على الإسلام.
ولكن هذا لا يعني الاطمئنان وتراجع العزم أو الكسل! بل مدار الأمر كله، على الثبات على مطلب الشريعة منهجا وغاية، والحفاظ على وحدة المجاهدين وسياسة القادة النجيبة وهدف إقام النظام الإسلامي القوي دونه الموت، وعلى العناية بعوامل الاستمرارية والتمكين والقوة والتطوير وازدهار الدول الإسلامية الصاعدة وخدمة رعاياها وحمايتهم وحفظ مصالح دينهم ودنياهم، والحذر من نقض الغزل أو مغريات الدنيا وفتن التمكين الخطيرة. فالتحصن من الأعداء الخارجيين والخصوم الحاسدين المتربصين، يرافقه التحصن الداخلي من أمراض التمكين والترف والركون للدنيا وأمراض القلوب والملك، لتحقق هذه الدول الإسلامية الصاعدة آمال أمة تنزف وتكون على قدر التضحيات وعدد الشهداء والفواجع التي عايشها المسلمون في كل قطر في العالم الإسلامي وعلى قدر مسؤولية حفظ الثمرات والإنجازات حتى ترتفع رايات الفتح في بيت المقدس ويتحقق وعد الله الحق، فالمسيرة لا تزال طويلة وإن كانت الانتصارات عظيمة والغنائم مبشرة إلا أن الأخطار تتربص وقطاع الطريق يمكرون.
فليحفظ المجاهدون هذه الآيات بقلب حي، ويستحضروها دوما في مسيرتهم لإقامة الخلافة في الأرض وإعلاء كلمة الله تعالى حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله:
﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [ سورة الحج: 41]
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [ الأنفال: 26]
﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [ آل عمران: 146]
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [ الأنفال: 60]
﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [ الحج: 40]
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جهاد محمد حسن
لتحميل الملف كاملا من هنا
تقييم التهديد الإرهابي لعام 2025